بشدّة حقدهم وغدرهم ، وعدواتهم ومكرهم ، وأبى الله إلّا أن ينصر الحقّ ، ويعلي كلمة الصدق ، فأظهره بعد خفائه ، وأوضح فضله لشيعته وأوليائه ، وجعله حرماً آمناً تجبى إليه ثمرات كلّ شيء ، يقصده أهل الآفاق من الفجّ العميق ، وتثنى إليه الأعناق من كلّ مرمى سحيق ، وتشدّ نحوه الرحال من مفاوز مقفرة ، ويستطاب إليه الترحال في المهالك الخطرة ، وتهوى إليه القلوب من جزائر منقطعة ، وترتاح إليه النفوس من بلاد شسعة ، يرجون من بركاته أرباح تجارتهم ، ومن وفادتهم عليه إدرار معيشتهم ، ثمّ جعله سبحانه لملائكته مهبطاً ، ولبركاته مسقطاً ، ولأوليائه معاذاً ، ولأصفيائه ملاذاً ، أطلعهم سبحانه على عرفان قدره ، وعلوّ أمره ، وانّه معدن البركات ، وموطن الدعوات ، يجيب سبحانه فيه دعاء المضطرّ من خلقه ، ويثري ببركته طالب رزقه ، ويكفّر كبائر ذنوب المسيئين بقصده ، ويرحم دعاء المتوسّلين إليه بمجده.
ثمّ انظر إلى قبر الصدّيق الشهيد ، والامام الرشيد ، قتيل العبرة ، ومصباح العترة ، صاحب المصيبة التامّة ، والبلية الطامّة ، الّذي شرّف الله به كربلاء وطفوفها ، وأوضح في الملكوت الأعلى بفضلها وتشريفها ، وجعل قلوب المؤمنين ترتاح إلى وفادتها ، وتحنّ إلى زيارتها ، وجعل فضلها يربو على البيت الحرام ، ويعلو شرفاً على الركن والمقام ، يضاعف الحسنات في حضرتها ، ويكفرّ السيّئات بوفادتها ، إن قصدها مكروب فرّج الله كربته ، وإن أمّها مغموم كشف الله غمّته.
كم راموا إخفاء منارها ، وإطفاء أنوارها ، وإعفاء آثارها ، وإهلاك زوّارها ، وتخريب عامرها ، وإدحاض مآثرها ، وتتبّعوا زمائمها ، وأخفوا معالمها ، ودرسوا قبورها ، وطمسوا مشهورها؟ وجعلوها لسوامهم مرتعاً ،