.................................................................................................
______________________________________________________
وقد يفرض فيما يتعلّق بغيرها ، كما لو ترك الإمام جلسة الاستراحة ، أو تكبيرة الركوع ، أو التسبيحات الأربع في الأخيرتين ثلاثاً ، لبنائه على عدم وجوبها مع كونها واجبة عند المأموم ، فاختلفا نظراً وعملاً ، فهل يجوز الاقتداء به؟ فهنا مقامان.
والكلام فعلاً في المقام الثاني ، أعني ما يتعلّق بغير القراءة. وقد فصّل في المتن حينئذ بين ما إذا كان الاختلاف راجعاً إلى الظنون الاجتهادية ، بأن قامت الأدلّة الشرعية والحجّة الفعلية عند كلّ منهما بنفسه أو بمقلّده على خلاف ما أدّى إليه نظر الآخر ، وبين ما إذا كان المأموم عالماً بوجوب ما لا يراه الإمام واجباً علماً وجدانياً ، بحيث كان قاطعاً ببطلان صلاة الإمام.
فيجوز الاقتداء في الأوّل ، إذ الدليل العلمي والظنّي الاجتهادي كما هو قائم عند المأموم قائم عند الإمام أيضاً ، وكلّ منهما مستند إلى حجّة شرعية والحكم الشرعي الظاهري ثابت في حقّ كلّ منهما بمناط واحد ، والحكم الواقعي الذي ربما يصيبه المجتهد وربما لا يصيب غير معلوم لدى كلّ واحد منهما. فليس لأحدهما الحكم ببطلان صلاة الآخر بعد أن كان كلاهما في عرض واحد في كونه حكماً شرعياً ظاهرياً من غير ترجيح لأحدهما على الآخر. فلا مانع من الاقتداء به.
وهذا بخلاف الصورة الثانية ، إذ بعد انكشاف الواقع لدى المأموم بعلم وجداني فهو يرى على سبيل القطع بطلان صلاة الإمام ، وجازم بفسادها في مرحلة الواقع ، ومعه كيف يسوغ له الاقتداء بهذه الصلاة الفاسدة.
أقول : قد ذكرنا في الأُصول في مبحث الإجزاء (١) ، وأشرنا في مسائل التقليد أنّ نظر المجتهد سواء تحصّل من الظنّ الاجتهادي أو من غيره لا يكون حجّة إلّا في حقّه وحقّ مقلّديه ، ولا يكون نافذاً بالإضافة إلى من سواه ممّن يخالفه في الرأي. فلو غسل المتنجّسَ بالبول في الكرّ مرّة مَن يرى الاكتفاء بها اجتهاداً
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢٨٥.