لم يَعْتَقدِ التَّصْدِيقَ بقلْبِه فهو غيرُ مُؤَدِّ للأَمانَةِ التي ائْتَمَنَه اللهُ عليها ، وهو مُنافِقٌ ، ومَن زَعَمَ أَنَّ الإِيمانَ هو إِظْهارُ القَوْل دُونَ التَّصْدِيقِ بالقلْبِ فهو لا يخلو مِن أَنْ يكونَ مُنافِقاً أَو جاهلاً لا يَعْلم ما يقولُ أَو يُقالُ له.
* قُلْتُ : وقد يُطْلَقُ الإِيمانُ على الإقْرارِ باللِّسانِ فقط كقوْلِه تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) (١) ، أَي آمَنُوا باللِّسانِ وكَفَرُوا بالجنانِ فتأَمَّل.
وقد يكونُ الإيمانُ إظهارُ الخُضوعِ.
وأَيْضاً : قَبولُ الشَّريعَةِ وما أَتَى به النبيُّ صلىاللهعليهوسلم ، واعْتقادُه وتَصْديقُه بالقلْبِ ؛ قالَهُ الزجَّاجُ.
قالَ الإمامُ الرَّاغِبُ ، رحِمَه اللهُ تعالَى : الإيمانُ يُسْتَعْمَلُ تارَةً اسْماً للشَّريعَةِ التي جاءَ بها النبيُّ صلىاللهعليهوسلم ، وتارَةً يُسْتَعْمَلُ على سَبيلِ المدْحِ ، ويُرادُ به إذْعانُ النَّفْسِ للحقِّ على سبيلِ التَّصْديقِ وذلِكَ باجْتِماعِ ثلاثَةِ أَشْياءٍ تَحْقيقٌ بالقلْبِ وإقرارٌ باللِّسانِ وعَمَلٌ بالأرْكانِ (٢) ، ويقالُ لكلِّ واحِدٍ مِنَ الاعْتِقادِ والقَوْلِ (٣) والصِّدْقِ والعَمَلِ الصالحِ إيمانٌ.
والأمينُ : القَوِيُّ لأنَّهُ يُوثَقُ بقُوَّتِهِ ويُؤْمَنُ ضعفُه.
وقالَ ابنُ السِّكّيت ، رحِمَه اللهُ تعالَى : الأَمينُ : المُؤْتَمِنُ ؛ وأَيْضاً : المُؤْتَمَنُ ، وهو ضِدُّ.
والأَمينُ : صفَةُ اللهِ تعالى ، هكذا مُقْتَضَى سِياقِه وفيه نَظَرٌ إلَّا أَنْ يكونَ الأَمينُ بمعْنَى المُؤْمن للغَيْرِ ، وإلَّا فالذي في صفَتِه تعالى فهو المُؤْمن جلَّ شَأنه ، ومعْناه أَنَّه تعالَى آمَنَ الخَلقَ من ظُلْمِه ، أو آمَنَ أَوْلياءَه عذَابَه ؛ عن ابنِ الأَعْرابيِّ.
ورَوَى المنْذرِي ، رحِمَه اللهُ تعالَى عن أَبي العبَّاس : هو المصدِّقُ عبادَه المُسْلمين يومَ القِيَامَةِ إذا سُئِلَ الأُمَمُ عن تَبْلِيغِ رُسُلِهم ، فيُكذِّبونَ أَنْبياءَهم ، ويُؤْتَى بسيِّدِنا محمدٍ صلىاللهعليهوسلم ، فيَسْأَلُونَه عن ذلِكَ فيُصدِّقُونَ الماضِينَ ، فيُصدِّقُهم اللهُ تعالى ، ويصدِّقُهم النبيُّ صلىاللهعليهوسلم.
وقيلَ : هو الذي يَصْدُقُ عِبادَه ما وَعَدَهُم فهو مِن الإِيمانِ التَّصدِيقِ ، أَو يُؤْمِنُهم في القِيامَةِ عَذابَه فهو مِن الأَمانِ ضِدّ الخَوْف ؛ قالَهُ ابنُ الأثيرِ ، رَحِمَه اللهُ تعالى.
وناقَةٌ أَمونٌ : وَثيقَةُ الخَلْقِ يُؤْمَنُ فُتُورُها وعِثارُها ، وهو مجازٌ.
وفي الصِّحاحِ : هي الموثقةُ الخَلْقِ التي أُمِنَتْ أَن تكونَ ضعيفَةً ، ا ه. وهو فَعولَةٌ (٤) جاء في موْضِعِ مَفْعولةٍ ، كما يقالُ : ناقَةٌ عَضوبٌ وحَلوبٌ.
وفي الأساسِ : ناقَةٌ أَمونٌ : قويَّةٌ مأْمونٌ فُتُورُها ، جُعِلَ الأَمْنُ لها وهو لصاحِبِها ؛ ج أُمُنٌ ، ككُتُبٍ.
ومِن المجازِ : أَعْطَيْتُه مِن آمَنِ مالِي ، كصاحِبٍ : أَي مِن خالِصِه وشرِيفِه ، يعْنِي بالمالِ الإِبِلَ ، أو أَيَّ مالٍ كانَ ، كأَنَّه لو عَقَلَ لأَمِنَ أَن يُبْدَلَ (٥) ؛ قالَ الحُوَيْدرَةُ :
ونَقِي بآمِنِ مالِنا أحْسابَنا |
|
ونُجِرُّ في الهَيْجا الرِّماحَ وندَّعِي (٦) |
ومِن المجازِ : ما أَمِنَ أَن يَجِدَ صَحابَةً : أَي ما وَثِقَ أَن يَظْفَرَ. يقالُ ذلِكَ لمَنْ نَوى السَّفَرَ ، أَو ما كادَ.
وآمينُ ، بالمدِّ والقَصْرِ ، نَقَلَهما ثَعْلَب وغيرُهُ ، وكِلاهُما يصحُّ مَشْهوراً ، ويقالُ : القَصْرُ لُغَةُ أَهْلِ الحِجازِ : والمدُّ إشْباعٌ بدَليلِ أَنَّه ليسَ في اللغَةِ العَربيَّةِ كَلمةٌ على فاعِيلٍ.
قالَ ثَعْلَب : قوْلُهم آمينُ هو على إشْباعِ فتْحَةِ الهَمْزَةِ فنَشَأَتْ بعْدَها أَلِفٌ ؛ وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ في القَصْرِ لجبيرِ ابنِ الأَضْبط :
تَباعَدَ مِنِّي فُطْحُلٌ إذ رأيْتُه |
|
أَمينَ فزادَ اللهُ ما بَيْنَنا بُعْدا (٧) |
__________________
(١) المنافقون ، الآية ٣.
(٢) في المفردات : وعمل بحسب ذلك بالجوارح.
(٣) في المفردات : «والقول الصدق» بدون واو العطف.
(٤) في اللسان : فعولٌ.
(٥) في اللسان : «يبذل».
(٦) من المفضلية ٨ للحادرة ويقال الحويدرِة البيت ١١ ، واللسان والتهذيب والمقاييس ١ / ١٣٤.
(٧) اللسان والصحاح.