والثَّالِثُ : أَنْ يكونَ صِلَةً للاسْمِ المَوْصولِ نَحْوَ قَوْله تعالَى : وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لتنوء* (بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) (١).
والرَّابع : أَنْ تكونَ جَوابَ قَسَمٍ سواءٌ كانَ في اسمِها أَو خَبَرِها اللَّامُ أَو لمْ يَكُنْ ، هذا مَذْهَب النَّحويِّين يقُولُون : والله إنَّه لقائِمٌ ، وأَنَّه قائِمٌ ، وقيلَ : إذا لم تأْتِ باللَّام فهي مَفْتوحَة : واللهِ أَنَّكَ قائِمٌ ؛ نَقَلَهُ الكِسائي ، وقالَ : هكذا سَمِعْته مِنَ العَرَبِ.
والخامِسُ : أَنْ تكونَ مَحْكِيَّةً بالقَوْلِ في لُغَةِ من لا يَفْتَحُها قالَ اللهُ تعالى (٢) : (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) (٣) ، قالَ الفرَّاءُ : إذا جاءَتْ بَعْدَ القَوْلِ وما تصرَّف مِنَ القَوْل وكانتْ حكايَةً لم يَقَعْ عليها القوْلُ وما تصرَّف منه فهي مكْسُورَةٌ ، وإن كانتْ تفْسِيراً للقوْلِ نَصَبَتْها وذلِكَ مثْل قَوْل اللهِ ، عزوجل : (وَقَوْلِهِمْ إِنّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) (٤) ، كسَرْتَ لأنَّها بعْدَ القَوْلِ على الحِكايَةِ.
والسَّادِسُ : أَنْ تكونَ بعدَ واوِ الحالِ نحْوَ : جاءَ زَيدٌ وإِنَّ يَدَهُ على رأْسِه.
والسَّابعُ : أَنْ تكونَ موضِعَ خَبَرِ اسْمِ عَيْنٍ نحْو : زَيْدٌ إِنَّهُ ذَاهِبٌ ، خِلافاً للفَرَّاءِ.
والثَّامِنُ : أَنْ تكونَ قَبْلَ لام مُعَلِّقَةٍ نحْوَ قوْلِهِ تعالَى : وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ (٥). قالَ أبو عبيدٍ : قالَ الكِسائيُّ في قوْلِهِ عزوجل : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (٦) ، كُسِرَتْ إنَّ لمَكانِ اللَّامِ التي اسْتَقْبلتها في قوْلِه : (لَفِي) ، وكذلِكَ كلُّ ما جاءَك مِن أنَّ فكانَ قَبْله شيءٌ يَقَعُ عليه فإنَّه مَنْصوبٌ ، إِلَّا ما اسْتَقْبَله لامٌ فإنَّ اللَّامَ تَكْسِره.
قلْتُ : فأمَّا قِراءَة سعيدِ بنِ جُبَيْر : إلا أَنَّهم ليأْكلُونَ الطَّعامَ بالفتْح فإنَّ اللَّامَ زائِدَةٌ. والتَّاسِعُ : أَنْ تكونَ بَعْدَ حَيثُ ، نحو : اجلِس حيثُ إنَّ زَيداً جالِسٌ. فهذه المَواضِعُ التِّسْع التي تُكسَرُ فيها إنَّ.
* وفاتَهُ :
ما إذا كانتْ مُسْتأْنَفَة بَعْدَ كَلامٍ قدِيمٍ ومَضَى ، نحْو قوْلِه تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) (٧) ، فإنَّ المعْنَى اسْتِئْنافٌ ، كأَنَّه قالَ : يا محمدُ (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً) ؛ وكَذلِكَ إذا وَقَعَتْ بَعْدَ إلَّا الاسْتِثْنائِيَّة فإنَّها تُكْسَر سواءٌ اسْتَقْبلَتْها اللامُ أَو لمْ تَسْتقْبلْها كقوْلِهِ عزوجل : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) (٨) ؛ فهذه تُكْسَر وإن لم تَسْتَقْبلْها لامٌ.
وإذا لَزِمَ التَّأْوِيلُ بمَصْدَرٍ فُتِحَتْ وذلِكَ بَعْدَ لَو ، نحو لَوْ أَنَّكَ قائِمٌ لقُمْتُ.
وفي الصِّحاحِ : والمَفْتوحَةُ وما بَعْدَها في تأْوِيلِ المَصْدَرِ ، وأَنَّ المَفْتُوحَةَ فَرْعٌ عن إنَّ المَكْسورَةِ فَصَحَّ أَنَّ أَنَّما تُفيدُ الحَصْرَ كإِنَّما.
وفي التَّهْذيبِ : أَصْلُ (٩) إنَّما ما مَنَعت إنَّ عن العَمَلِ ، ومعْنَى إنَّما إثْباتٌ لمَا يُذْكَرُ بَعْدَها ونَفْيٌ لمَا سِواهُ.
وفي الصِّحاحِ : إذا زِدْتَ على إنَّ ما صارَ للتَّعْيِين كقوْلِه تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (١٠) ، لأَنَّه يُوجِبُ إثباتَ الحُكْمِ للمَذْكورِ ونَفْيَه عمَّا عَداه ؛ ا ه.
واجْتَمعا في قوْلِهِ تعالَى : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (١١) ، فالأُولَى لِقَصْرِ الصِّفَةِ على المَوْصُوفِ ، والثَّانيةُ لعَكْسه ، أَي لِقَصْرِ المَوْصوفِ على الصِّفَةِ. وقولُ من قالَ مِن النَّحويِّين : إنَّ الحَصْرَ خاصٌّ بالمَكْسُورَةِ ، وإليه أَيْضاً يُشيرُ نَصّ الجَوْهرِيّ ، مَرْدودٌ ، و
__________________
(*) كذا بالأصل ، وأصلها : (لَتَنُوأُ).
(١) القصص ، الآية ٧٦.
(٢) قوله : «تعالى» ليست في القاموس.
(٣) المائدة ، الآية ١١٥.
(٤) النساء ، الآية ١٥٧.
(٥) المنافقون ، الآية ١.
(٦) البقرة ، الآية ١٧٦.
(٧) يونس ، الآية ٦٥.
(٨) الفرقان ، الآية ٢٠.
(٩) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : أصل إنما ما ، كذا في اللسان أيضاً ولعله : أصل إنما إن ما ما منعت الخ».
(١٠) التوبة ، الآية ٦٠.
(١١) فصلت ، الآية ٦ ، وفيها : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ ...).