أَنَّ المَفْتوحَة قد تكونُ لُغَةً في لَعَلَّ كقَوْلِكَ : إئْتِ السُّوقَ أَنَّكَ تَشْتَرِي لنا لَحماً أَو سَويقاً ، حَكَاه سِيْبَوَيْه.
قيلَ : ومِنهُ قِرَاءَةُ مَن قَرَأَ : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (١).
قالَ الفارِسيُّ : سأَلْتُ عنها أَبا بكْرٍ أَوانَ القِراءَةِ فقالَ : هو كقَوْلِ الإنْسان إنَّ فلاناً يَقْرَأُ فلا يَفْهَم ، فتَقُول أَنْتَ : وما يُدْرِيكَ أَنَّه لا يَفْهَم.
وفي قِراءَةِ أُبَيِّ : لَعَلّها إذا جاءَتْ لا يُؤْمِنون ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لحُطائِطِ بنِ يَعْفُر ؛ وقيلَ : هو لدُرَيْدٍ :
أَرِيني جَواداً ماتَ هَزْلاً لأنَّني |
|
أَرى ما تَرَيْنَ أَو بَخِيلاً مُخَلَّدا (٢) |
قالَ الجَوْهرِيُّ : وأَنْشَدَه أَبو زيْدٍ لحاتِمٍ.
قالَ ابنُ بَرِّي : وهو الصَّحيحُ.
قالَ : وقد وَجَدْته في شعْرِ مَعْنِ بنِ أَوْسٍ المُزَنيّ.
قلْتُ : هو في الأَغاني لحُطائِطِ وساقَ قصَّته.
وقالَ عدِيُّ بنُ زيْدٍ :
أَعاذِكَ ما يُدْريكِ أَنَّ مَنِيَّتي |
|
إلى ساعةٍ في اليومِ أَو في ضُحَى الغَدِ؟ (٣) |
أَي لَعَلَّ مَنِيَّتي.
قالَ ابنُ بَرِّي : ويدلُّ على ما ذَكَرْناهُ قوْلُه تعالَى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى) (٤) ، (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) (٥).
[إنْ] : إنْ : المكْسورَةُ الخَفيفَةُ لها اسْتِعمالاتٌ خَمْسةٌ :
الأَوَّل : أَنَّها تكونُ شَرْطيَّةً كقوْلِهِ تعالى : إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (٦) ، وقَوْلِه تعالى : وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ (٧).
وفي الصِّحاحِ : هو حَرْفٌ للجَزاءِ يُوقِعُ الثانيَ مِن أَجْلِ وُقوع الأَوَّل كقَوْلِكَ : إنْ تأْتِني اتِك ، وإنْ جِئْتني أَكْرَمْتُك ؛ انْتَهَى.
وسُئِلَ ثَعْلَب : إذا قالَ الرَّجلُ لامْرَأَتِه إن دَخلتِ الدَّارَ إنْ كَلَّمتِ أَخاكِ فأنْتِ طالِقٌ ، مَتى تَطْلُق؟ فقالَ : إذا فَعَلَتْهما جَمِيعاً ، قيلَ له : لِمَ؟ قالَ : لأَنَّه قَدْ جاءَ بشَرْطَيْن ، قيلَ له : فإنْ قالَ لها أَنتِ طالِقٌ إنِ احْمَرَّ البُسْرُ؟ فقالَ : هذه مَسْأَلةُ مُحالٍ لأَنَّ البُسْرَ لا بُدَّ أَنْ يَحْمَرَّ ، قيلَ له : فإنْ قالَ لها : أَنتِ طالِقٌ إذا احْمَرَّ البُسْرُ؟ فقالَ : هذا شَرْطٌ صَحيحٌ تطلُقُ إذا احْمَرَّ البُسْرُ.
قالَ الأَزهرِيُّ : وقالَ الشافِعِيُّ ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه ، فيمَا أُثْبِت لنا عنه : إنْ قالَ الرَّجلُ لامْرَأتِه : أَنْتِ طالِقٌ إن لم أُطَلِّقْكِ لم يَحْنَثْ حتى يُعْلَم أَنَّه لا يُطَلِّقُها بموتِه أَو بموْتِها ، قالَ : وهو قولُ الكُوفِيِّين ، ولو قالَ : إذا لم أُطَلِّقْك ومَتى ما لم أُطَلِّقْك فأَنْتِ طالِقٌ ، فسكَتَ مدَّةً يمكنُه فيها الطَّلاقَ ، طَلُقَتْ.
وقد تَقْتَرِنُ إنْ بِلا فيَظُنُّ الغِرُّ أَنَّها إلَّا الاسْتِثْنائيَّةُ وليسَ كذلِكَ نَحْوُ قوْلِه تعالى : إِلّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ (٨) ، وقَوْله تعالى : إِلّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ (٩).
والثَّاني : أَنْ تكونَ نافِيَةً بمعْنَى ما وتَدْخُلُ على الجُمْلَةِ الإِسْمِيَّةِ والفِعْلِيَّةِ ؛ فالاسْمِيَّة نحْو قوْله تعالى : إِنِ الْكافِرُونَ إِلّا فِي غُرُورٍ (١٠) ؛ نَقَلَه الجوْهرِيُّ ؛ والفِعْليَّة نحْو : إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى (١١).
قالَ الجَوْهرِيُّ : ورُبُّمَا جُمِعَ بينَ إنْ وما النافِيَتَيْن للتَّأْكيدِ ، كما قالَ الأَغْلَبُ العِجْليُّ :
__________________
(١) الأنعام ، الآية ١٠٩.
(٢) اللسان.
(٣) اللسان وفيه : «أعاذل».
(٤) عبس ، الآية ٣.
(٥) الأحزاب ، الآية ٦٣.
(٦) الأنفال ، الآية ٣٩.
(٧) الأنفال ، الآية ١٩.
(٨) التوبة ، الآية ٤٠.
(٩) التوبة ، الآية ٣٩.
(١٠) الملك ، الآية ٢٠.
(١١) التوبة ، الآية ١٠٧.