أَي قَدْ حُزَّتا ؛ ويصحُّ أَنْ تكونَ بمعْنَى إذ وغَيْر ذلِكَ مِمَّا الفِعْلُ فيه مُحَقَّقٌ ، أَو كُلُّ ذلك مُؤَوَّلٌ.
* قُلْتُ : وقد تكونُ بمعْنَى إذا نحْو قَوْلِه تعالَى : (لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا) (١) ؛ وكذلِكَ قَوْله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ) (٢).
قالَ ابنُ بَرِّي : وقد تُزادُ إنْ بَعْدَ مَا الظَّرْفيَّة كقوْلِ المَعْلوطِ بنِ بَذْلٍ القُرَيْعيّ أَنشَدَه سِيْبَوَيْه :
ورجَّ الفتى للخَيْر ما إنْ رأَيْتَه |
|
على السِّنِّ خيراً لا يَزالُ يَزِيدُ (٣) |
وقد تكونُ في جوابِ القَسَمِ تقولُ : واللهِ إن فَعَلْت ، أَي ما فَعَلْت.
[أَنْ] : أَنْ ، المَفْتُوحَةُ الخَفْيفَةُ مِن نواصِبِ الفِعْلِ المستقبلِ مَبْني على السكونِ تكونُ اسْماً وحَرْفاً ، والاسمُ نَوْعانِ : ضَميرُ مُتَكَلِّمٍ في قَوْلِ بَعْضِهم إذا مَضَى عليها ولم يقفْ أَنْ فَعَلْتُ ذلكَ بسكونِ النُّونِ والأكْثَرونَ مِن العَرَبِ على فَتْحِها وَصْلاً يقُولُون : أَنَ فَعَلْتُ ذلكَ ، وأَجْوَدُ اللّغاتِ ، الإِتْيان بالأَلِفِ وَقْفاً ، ومنهم مَن يُثْبِتُ الأَلَفَ في الوَصْلِ أَيْضاً يقُولُ : أَنَا فَعَلْتُ ذلكَ ، وهي لُغَةٌ رَدِيئَةٌ.
وفي المُحْكَم : وأَنَ اسمُ المُتَكَلِّم فإذا وَقَفْت أَلْحَقْتَ أَلِفاً للسكوتِ ، وقد تُحْذَف وإثْباتُها أَحْسَنُ.
وفي الصِّحاحِ : وأَمَّا قَوْلُهم أَنَا فهو اسمٌ مكنِيٌّ ، وهو اسمٌ للمُتَكلِّمِ وحْدَه ، وإنَّما بُنِي على الفتْحِ فَرْقاً بَيْنه وبينَ أَن التي هي حَرْفٌ ناصِبٌ للفِعْلِ ، والأَلِفُ الأخيرَةُ إنَّما هي لبَيانِ الحَرَكَةِ في الوَقْفِ ، فإن وُسِّطت سَقَطَتْ إلَّا في لُغَةٍ رديئةٍ ، كما قالَ حُمَيْد بنُ مجدلٍ :
أَنَا سَيْفُ العَشِيرَةِ فاعْرِفوني |
|
جَميعاً قد تَذَرَّيْتُ السَّنامَا (٤) |
* قُلْتُ : ومنه أَيْضاً قَوْل العُدَيْل :
أَنا عَدْلُ الطِّعانِ لمَنْ يعانى |
|
أَنا العَدْلُ المُبَيِّنُ فاعْرِفوني (٥) |
وقد ذَكَرَ المصنِّفُ ، رَحِمَه اللهُ تعالى ، ثلاثَ لُغاتٍ ، وفاتَهُ آأَن فَعَلْتَ ، بمدِّ الأَلِفِ الأُولى ، وهي لُغَةُ قُضاعَةَ ، ومنه قَوْلُ عدِيِّ :
يا لَيْتَ شِعْري آنَ ذُو عَجَّةٍ |
|
مَتى أَرَى شَرْباً حَوالَيْ أَصيصْ؟ (٦) |
وأَنَهْ فَعَلْت ، حكَى الخَمْسَة قُطْرب ، ونَقَلَ عن ابنِ جنِّي ، وفي الأَخيرَةِ ضَعْفٌ كما تَرَى. قالَ ابنُ جنِّي : يَجوزُ الهاء في أَنَّه بدلاً مِن الأَلفِ في أَنا لأَنَّ أَكْثَرَ الاسْتِعمالِ إنَّما هو أَنا بالأَلفِ ، ويَجُوزُ أَنْ تكونَ الهاءُ أُلْحِقَتْ لبَيانِ الحَركَةِ كما أُلْحِقَتِ الأَلفُ ، ولا تكونُ بدلاً منها بل قائِمَة بنَفْسِها كالتي في (كِتابِيَهْ) و (حِسابِيَهْ).
قالَ الأَزْهرِيُّ : وأَنا لا تَثْنِيَةَ له مِن لفْظِه إلَّا بنَحْن ، ويصلحُ نحنُ في التَّثْنيةِ والجَمْعِ.
والنوعُ الثاني : ضَميرُ مُخاطَبٍ في قَوْلِكَ أَنْتَ يُوصَلُ بأَنْ تاءُ الخطابِ فيَصِيران كالشَّيءِ الواحِدِ من غَيْر أَن تكونَ مُضافَةً إليه.
وأَنْتِ للمُؤَنَّثةِ بكسْرِ التاءِ وتقولُ في التَّثْنِيةِ أَنْتُما ، فإن قيلَ : لِمَ ثَنَّوا أَنْت فقالوا أَنْتُما ، ولم يُثَنُّوا أَنا ، فقيلَ : لمَّا لم يجزْ أَنا وأَنا لرَجلٍ آخَرَ لم يُثَنَّوا ، وأَمَّا أَنْت فثَنَّوْه بأَنْتُما لأَنَّك تجيزُ أنْ تقولَ لرجلٍ أَنتَ وأَنْتَ لآخَرَ معه ، وكذلِكَ الأُنْثى.
وقالَ ابنُ سِيْدَه : ليسَ أَنْتُما تَثْنِيَة أَنْتَ إذ لو كانَ تَثْنِيَته لوَجَبَ أَنْ تقولَ في أَنْتَ أَنْتانِ ، إنَّما هو اسمٌ مصوغٌ يَدُلُّ على التَّثْنِيَةِ كما صبغَ هذانِ وهاتانِ.
__________________
جماراً ، ولم تغضب لقتل ابن خازم ونسبه محققه للفرزدق ، وانظر تخريجه فيه.
(١) التوبة ، الآية ٢٣.
(٢) الأحزاب ، الآية ٥٠.
(٣) اللسان ، ومغني اللبيب ولم ينسبه ، وكتاب سيبويه ٢ / ٣٠٦.
(٤) اللسان بدون نسبة ، ونسبه في الصحاح لحميد بن بحدل.
(٥) اللسان والتهذيب.
(٦) اللسان والتهذيب.