البَصائِرِ في مثالِ المُخَفَّفة من المُشدَّدَةِ عَلِمْتُ أَنْ زيداً لمُنْطَلِق ، مُقْترِناً بلامٍ في الإعْمالِ ، وعَلِمت أَنْ زيدٌ مُنْطَلِقٌ بِلا لامٍ في الإلْغاءِ.
قالَ ابنُ جنِّي : وسأَلْتُ أَبا عليٍّ عن قَوْلِ الشاعِرِ :
أَنْ تَقْرآنِ على أسمآءَ وَيحَكُما
لِمَ رَفَعَ تَقْرآنِ؟ فقالَ : أَرادَ النّونَ الثَّقيلَةَ أَي أَنَّكما تَقْرآنِ.
وتكونُ مُفْسِرةً بمعْنَى أي* نَحْو قَوْله تعالى : فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ (١) ، أَي أَي (٢) اصْنَع ؛ ومنه قَوْلُه تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا) (٣) ؛ كما في الصِّحاحِ.
قالَ بعضُهم : لا يَجوزُ الوَقْف عليها لأَنَّها تأتي ليُعَبَّر بها وبما بَعْدَها عن مَعْنَى الفعْلِ الذي قَبْل ، فالكَلامُ شَديدُ الحاجَةِ إلى ما بَعْدَها ليُفَسّرَ به ما قَبْلَها فبحسبِ ذلكَ امْتَنَعَ الوُقوفُ عليها.
وتكونُ زائِدَةً للتَّوكيدِ نَحْو قَوْلِه تعالَى : (وَلَمّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا) (٤) ؛ وفي مَوْضِع (وَلَمّا جاءَتْ رُسُلُنا) (٥). ونَصُّ الجوْهرِيّ : وقد تكونُ صِلَةً للِمَّا كقَوْله تعالى : (فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) (٦) ، وقد تكونُ زائِدَةً كقوْلِه تعالى : (وَما لَهُمْ أَلّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) (٧) يُريدُ وما لَهُم لا يعذِّبُهُم اللهُ.
قالَ ابنُ بَرِّي : هذا كلامٌ مكرَّرٌ لأنَّ الصِّلَةَ هي الزائِدَةُ ، فلو كانتْ زائِدَةً في الآيةِ لم تَنْصِب الفعْلَ.
وتكونُ شَرْطيَّةً كالمَكْسورَةِ.
وتكونُ أَيْضاً للنَّفْيِ كالمَكْسورَةِ. وتكونُ بمعْنَى إذ قيلَ : ومنه قَوْلُه تعالى : بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ (٨) ، أَي إذ جاءَهُم ؛ وكذلِكَ قَوْلُه تعالَى : (لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا) (٩) ؛ مَن خَفَضَها جَعلَها في موْضِعٍ إذا ، كما تقدَّمَ ، ومَنْ فَتَحَها جعلَها في موْضِع إذ على الواجِبِ.
ومنه قَوْلُه تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ) ، مَنْ خَفَضَها جعلَها في موْضِعِ إذا ، ومَنْ نَصَبَها ففي موضِعِ إذ.
وتكونُ بمعْنَى لئَلّا ، قيلَ : ومنه قَوْلُه تعالى : يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا (١٠) ؛ هكذا ذَكَرَه بعضُ النُّحَّاةِ ، والصَّوابُ أَنَّها هنا مَصْدرِيَّةٌ ، والأَصْلُ كَراهَةَ أَنْ تَضِلُّوا.
* قُلْتُ : وقد تكونُ مُضْمرةً فتَعْمَل وإن لم تكنْ في اللَّفْظِ كقَوْلِك : لأَلْزمنَّك أو تَقْضِيَ لي حقِّي ، أَي إلى أَنْ.
وقالَ الجوْهرِيُّ : وكذلِكَ إذا حَذَفْتها إنْ شِئْت نَصَبْتَ وإنْ شِئْتَ رَفَعْتَ ؛ قالَ طَرفَةُ :
أَلا أَيُّهَذا الزاجِرِي أَحْضُرَ الوغَى |
|
وأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هل أَنْتَ مُخْلدِي؟ (١١) |
يُرْوَى بالنَّصْبِ على الإِعْمالِ ، والرَّفْعُ أَجْودُ. قالَ اللهُ تعالى : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) (١٢) ، اه.
وتكونُ أَنْ بمعْنَى أَجَلْ وبمعْنَى لعَلَّ.
* وممَّا يُسْتدركُ عليه :
الأَنَّةُ : الأَنِينُ.
ورَجُلٌ أُنَنَةٌ فُنَنَةٌ ، كهُمَزَةٍ فيهما ، أَي بلِيغٌ.
وأَنَّتِ القَوْسُ تَئِنُّ أَنِيناً : أَلانَتْ صوتَها ومَدَّته ؛ عن أَبي حنيفَةَ ، وأَنْشَدَ لرُؤْبَة :
__________________
(*) كذا بالاصل وبالقاموس : «بمنزلة أي».
(١) المؤمنون ، الآية ٢٧.
(٢) كذا وردت مكررة ، والأولى حذف واحدة.
(٣) ص ، الآية ٦.
(٤) العنكبوت ، الآية ٣٣.
(٥) هود ، الآية ٧٧.
(٦) يوسف ، الآية ٩٦.
(٧) الأنفال ، الآية ٣٤.
(٨) ق ، الآية ٢.
(٩) التوبة ، الآية ٢٣.
(١٠) النساء ، الآية ١٧٦.
(١١) من معلقته ، ديوانه ص ٣٢ ، برواية : «ألا أيهذا اللائمي» ... واللسان.
(١٢) الزمر ، الآية ٦٤.