وقالَ الأَخْفَش في قوْلِه تعالى : (وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى) (١) ، في حَرْف ابنِ مَسْعودٍ أَينَ أَتَى.
وأَيَّانَ ، ويُكْسَرُ ، مَعْناهُ : أَيُّ حِينٍ ، وهو سُؤالٌ عن زَمانٍ مِثْل مَتى. قالَ اللهُ تعالى : (أَيّانَ مُرْساها) (٢).
والكَسْرُ : لُغَةٌ لبَني سُلَيْم ، حَكَاها الفرَّاءُ ، وبه قَرَأَ السُّلَميُّ : إيَّانَ يُبْعَثونَ (٣) ؛ كذا في الصِّحاحِ ؛ وقد حَكَاها الزجَّاجُ أَيضاً.
وفي المحتسبِ لابنِ جنِّي : يَنْبَغي أنْ يكونَ أَيَّانَ من لَفْظِ أَيّ لا مِن لَفْظِ أَي ، لأَمْرَيْن : أَحَدُهما : أنَّ أَيْنَ مَكانٌ ، وأَيَّانَ زَمانٌ ، والآخر قلَّة فعال في الأَسْماءِ مع كثر فعلان ، فلو سمّيت رَجُلاً بأَيَّان لم تَصْرفْه لأَنَّه كحمدان ، ولسْنَا نَدَّعِي أَنَّ أَيا يحسنُ اشْتِقاقها ، أَو الاشْتِقاقُ منها ، لأَنَّها مَبْنيَّةٌ كالحَرْفِ ، أَو أنَّها مع هذا اسم ، وهي اخْتُ أَيَّان وقد جازَتْ فيها الإِمالَةُ التي لا حَظّ للْحُرُوفِ فيها ، وإنَّما الإمالَةُ للأَفْعالِ وفي الأسْماءِ إذا كانتْ ضَرْباً من التَّصَرّفِ ، فالحَرْف لا تصرف فيه أَصْلاً ، ومَعْنى أَي أنَّها بعضٌ من كلِّ ، فهي تَصْلُحُ للأَزْمِنَةِ صَلاحها لغيرِها إذا كانَ التَّبْعِيضُ شامِلاً لذلِكَ كُلّه ؛ قالَ أُمَيَّةُ :
والناسُ راثَ عليهم أمرُ يَوَمَهُم |
|
فكُلّهُمْ قائلٌ للدّينِ أَيّانا |
فإن سميت بأَيَّانَ سَقَطَ الكَلامُ في حسن تَصْرِيفِها للحاقِها بالتّسْمِيةِ ببَقِيَّة الأَسْماءِ المُتَصرِّفَة.
وأَبو بكْرٍ أَحمدُ بنُ محمدِ بنِ أَبي القاسِم بنِ أَيَّانَ الدُّشْتِيُّ : مُحَدِّثٌ مُتَأَخِّرٌ ، حدَّثَ عن أَبي القَاسِمِ بنِ رَواحَةَ ، وسَمِعَ الكثيرَ بإفادَةِ خالِهِ محْمود الدُّشْتِي ، قالَهُ الحافِظُ.
والآنُ : اسمُ الوَقْتِ (٤) الذي أَنْتَ فيه ، فهُما عنْدَه مُتَرادِفان. وقالَ الأَنْدَلسِيُّ في شرْحِ المُفصَّل : الزَّمانُ ما لَهُ مقْدارٌ ، ويَقْبَل التَّجزِئةَ.
والآنَ : لا مقْدَار له ، وهو اسمُ الوَقْتِ الحاضِرِ المُتَوَسّط بينَ الماضِي والمُسْتَقْبلِ ؛ قالَهُ الجوْهرِيُّ ؛ وهو ظَرْفٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ وَقَعَ مَعْرِفَةً ولم تدْخُلْ عليه أَلْ للتَّعْرِيفِ ، لأَنَّه ليسَ له ما يَشْرَكُهُ.
قالَ ابنُ جنِّي في قوْلِه تعالَى : (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) (٥) ؛ الذي يدلُّ على أنَّ اللامَ في الآنَ زائِدَةٌ أَنَّها لا تَخْلو إمَّا أَنْ تكونَ للتَّعْرِيفِ كما يظنُّ مُخالفُنا ، أَو أَنْ تكونَ لغَيْرِ التّعْريفِ كما نقولُ ، فالذي يدلُّ على أنَّها لغَيْرِ التَّعْريفِ أَنَّا اعْتَبَرْنا جَمِيعَ ما لامُه للتَّعْرِيفِ ، فإذا إسقاطُ لامِه جَائِز فيه ، وذلك نحو رَجُل والرَّجُل وغُلامَ والغُلام ، ولم يقُولُوا افْعَلْه آنَ كما قالوا افْعَلْه الآنَ ، فدلَّ هذا على أنَّ اللامَ ليْسَتْ فيه للتَّعْريفِ بل هي زائِدَة كما يُزادُ غيْرُها مِنَ الحُرُوفِ.
وقد أَطالَ الاحْتِجاج على زِيادَةِ اللام وأَنَّها ليْسَتْ للتَّعْرِيفِ بما هو مَذكُورٌ في الخَصائِصِ والمُحتسبِ.
وقالَ في آخِرِه : وهذا رأَيُ أَبي عليٍّ ، رحِمَه اللهُ تعالى ، وعنه أَخَذْتَه ، وهو الصَّوابُ.
قالَ الجَوْهرِيُّ : ورُبَّما فَتَحُوا اللَّامَ وحَذَفُوا الهَمْزَتَيْنِ.
قالَ ابنُ بَرِّي : يعْنِي الهَمْزَة التي بَعْدَ اللامِ لنقْلِ حَرَكَتِها على اللامِ وحَذْفِها ، ولمَّا تَحرَّكَتِ اللامُ سَقَطَتْ هَمْزَةُ الوَصْلِ الدَّاخِلَة على اللامِ كقوْلِهِ أَنْشَدَه الأَخْفَش :
وقد كُنْتَ تُحْفِي حُبَّ سَمْراءَ حِقْبَةً |
|
فَبُحْ لَانَ منْها بالذِي أَنْتَ بائِحُ (٦) |
قالَ ابنُ بَرِّي : ومثْلُه قَوْل الآخر :
أَلَا يا هِنْدُ هِنْدَ بَني عُمَيْرٍ |
|
أَرَثَّ لَانَ وَصْلُكِ أَم جَديدُ؟ (٧) |
__________________
(١) طه ، الآية ٦٩.
(٢) الأعراف ، الآية ١٨٧ ، والنازعات ، الآية ٤٢.
(٣) النحل ، الآية ٢١.
(٤) في القاموس : الوقتُ بالرفع ، والكسر ظاهر.
(٥) البقرة ، الآية ٧١.
(٦) اللسان والصحاح وعجزه من شواهد القاموس.
(٧) اللسان وفيه : «حديد».