إنّ انقسام إرادته سبحانه إلى تكوينية وتشريعية من الانقسامات الواضحة التي لا تحتاج إلى بسط في القول ، ومجمل القول فيها هو انّه إذا تعلّقت إرادته سبحانه على إيجاد شيء وتكوينه في صحيفة الوجود ، فهي الاِرادة التكوينية ولا تتخلّف تلك الاِرادة عن مراده ، وربّما يعبّر عنها بالاَمر التكويني قال سبحانه : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون) (١).
ففي هذا المجال يكون متعلّق الاِرادة تكوّن الشيء وتحقّقه وتجسّده ، واللّه سبحانه لاَجل سعة قدرته ونفوذ إرادته لا تنفك إرادته عن مراده ولا أمره التكويني عن متعلّقه.
وأمّا إذا تعلّقت إرادته سبحانه بتشريع الاَحكام وتقنينها في المجتمع حتى يقوم المكلّف مختاراً بواجبه ، فهي إرادة تشريعية ، ففي هذا المجال يكون متعلّق الاِرادة تحقيقاً هو التشريع والتقنين ، وأمّا قيام المكلّف فهو من غايات التكليف ، ولاَجل ذلك ربّما تترتب عليه الغاية ، وربّما تنفك عنه ، ولا يوجب الانفكاك خللاً في إرادته سبحانه ، لاَنّه ما أراد إلاّ التشريع وقد تحقق ، كما انّه ما أراد قيام المكلّف بواجبه إلاّ مختاراً ، فقيامه بواجبه أو عدم قيامه من شعب اختياره ، هذا هو إجمال القول في الاِرادتين ، وللتفصيل محل آخر.
والقرائن التي ستمر عليك تدل على أنّ الاِرادة في الآية تكوينية لا تشريعية بمعنى انّ إرادته التكوينية التي تعلّقت بتكوين الاَشياء وإبداعها في عالم الوجود ، تعلّقت أيضاً بإذهاب الرجس عن أهل البيت ، وتطهيرهم من كل رجس وقذر ، ومن كل عمل يستنفر منه ، وإليك تلك القرائن :
__________________
١. يس : ٨٢.