مكامن نفوسهم وتحليتهم بهذه الحلية الاِلهية ، ولكن هذا الجعل والتحلية لا يهدف إلى كونهم مكتوفي الاَيدي أمام التكاليف ومسوقين إلى جانب واحد ، فالاشتباه في المقام حصل في تعيين ما هو المفاض من اللّه سبحانه على هذه الشخصيات فتخيل : «انّ المفاض هو العصمة المفسرة بترك المعصية ونفس الطاعة» غفلة عن أنّ المفاض هو هذه الكيفيات والصفات العليا النفسانية عليهم ، وهي توجد استعداداً في النفس بترك العصيان واختيار الطاعة مع القدرة على الخلاف.
نعم : لو كان هناك جبر ، فالجبر في تحليتهم بهذه المواهب والعطايا الاِلهية ، ولكنّهم معها مختارون في التوجه ، لاَي طرف أرادوا ، وإن كانوا لا يشاءون إلاّ الطاعة وترك المعصية.
ما هو الوجه لتفسير الاِرادة بالتشريعية؟
ثمّ إنّ الجمهور لمّا ذهبوا إلى كون الاِرادة تشريعية احتالوا في توجيهها يقول المفسر المعاصر سيد قطب في هذا الصدد : إنّه سبحانه يجعل تلك الاَوامر ـ الاَوامر الواقعة قبل الآية من قوله : (وقرن ... ولا تبرجن) ـ وسيلة لاِذهاب الرجس وتطهير البيت ، فالتطهير وإذهاب الرجس يتم بوسائل يأخذ الناس بها أنفسهم ويحقّقونها في واقع الحياة العملي ... ويختم هذه التوجيهات لنساء النبي بمثل ما بداها ، بتذكيرهنّ بعلو مكانتهنّ وامتيازهنّ على النساء بمكانتهنّ من رسول اللّه وبما أنعم اللّه عليهنّ فجعل بيوتهنّ مهبط القرآن ومنزل الحكمة وتشرف النور والهدى والاِيمان ، وانّه لحظ عظيم يكفي التذكّر به لتحس النفس جلالة قدره ولطيف صنع اللّه فيه وجزالة النعمة التي لا يعد لها نعيم(١).
__________________
١. في ظلال القرآن ، في تفسير سورة الاَحزاب.