.................................................................................................
______________________________________________________
والوجه فيه : ما ذكرناه في الأُصول (١) من أنّ القدرة إذا لم تكن دخيلة في الملاك شرعاً وإن كانت شرطاً في التكليف عقلاً كما في إنقاذ الغريق فالملاك موجود على تقديري قدرة المكلّف وعجزه ، وعليه ففي ترك الإنقاذ فوت للمصلحة الواقعية ، والعقل لا يجوّز تفويت الملاك الملزم ما لم يستند المكلّف إلى عذر شرعي ، فلا بدّ من الإقدام وإعمال القدرة ، فإن انكشف التمكّن وإلّا فهو معذور. فأدلّة البراءة لا تشمل فوت الغرض الواقعي.
وهذا بخلاف موارد الأدلّة اللفظية ، فإنّ الإطلاق فيها مؤمّن ، والاستناد إليه معذّر ، لشموله موارد الشكّ في القدرة أيضاً ، سيما مثل المقام الذي لم يكن من التروّي في لسان الأخبار عين ولا أثر كما عرفت ، فانّ الغالب حصول القدرة على الإتمام بعد التروّي كما لا يخفى ، ومع ذلك لم يؤمر به في شيء من الأخبار. فما ذكر إنّما يتمّ في مورد الأصل العملي دون الإطلاق.
وثانياً : لا يتم حتّى في الأصل فيما إذا كان مورد الشكّ من قبيل المقام ، إذ لا شكّ هاهنا في العجز الفعلي ، وإنّما يحتمل تجدّد القدرة فيما بعد. وما سبق من الكلام فإنّما هو فيما إذا كان شاكاً في القدرة الفعلية ، وأمّا إذا علم العجز فعلاً واحتمل عروض القدرة فلا مانع من استصحاب عدمها ، فهو عاجز فعلاً وجداناً وفيما بعد تعبّداً ، وكفى به عذراً.
ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّه عاجز بالفعل عن الإتمام ، لكونه شاكاً بشكّ لا يجوز معه المضيّ حسب الفرض ، ويحتمل التمكّن منه بعد التروِّي ، فيستصحب بقاءه على العجز. فلا يتمّ ما أُفيد في مثل المقام حتّى ولو لم يكن هناك إطلاق.
الجهة الثالثة : لو أراد الإعادة قبل فوات الموالاة إمّا بعد التروّي أو قبله على الخلاف فهل يجب عليه أوّلاً إبطال الصلاة بكلام عمدي أو استدبار
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٣٦٠ ، ٣ : ٢٧٧ ، مصباح الأُصول ٢ : ٤٠٠.