فهو ـ لو سُلّم ـ غير وارد ؛ إذ لم يُعلم حضور أكثرهم ، ومن حضر كان على رأي الشيخين ، أو مضطرب الحال.
على أنّ الإحراق لو وقع ليس بأعظم من غصب الخلافة ، ومخالفة نصّ الغدير ، وغيره.
ولو سُلّم ، فقد تدرّج الأمر من غصب الخلافة ، إلى غصب ميراث بضعة الرسول ونحلتها ، إلى إحراق البيت ، فهانَ!
وبالجملة : إذا رأى الناسُ مقاومةَ أُولي الأمر لأهل البيت وشدّتهم عليهم وعلى أوليائهم ، لم يُستبعد سكوت الرعيّة ، ولا سيّما أنّ جُلّ الأُمراء والأكابر أعوانٌ لهم في الاعتداء على أمير المؤمنين (عليه السلام) ومَن يتعلّق به ، والتجاهر في عداوتهم.
وأما ما ذكره في الوجه السادس ، فلو فُرض وقوع الإحراق لم يُستغرب ترك مؤرّخي السنة لذِكره ؛ إذ من المعلوم محافظتهم على شأن الشيخين ، بل وشؤون أنفسهم ، فإنّ رواية ما يُشعِر بالطعن بهما ، فضلا عن مثل هذا العمل الوحشي ، ممّا يوجب وهن الرجل وكتابه بأنظار قومه ، بل يوجب التغرير بنفسه وعرضه ، كما فعل هو نفسه بالطبريّ ـ كما رأيت ـ وهو ذو الفضيلة عندهم ؛ لمجرّد سماعه أنّه روى قصْدَ الإحراق!
وكما فعل الشهرستاني بالنظّام ، وهو من أكابر معتزلة السنة ؛ إذ نسبه إلى الميل إلى الرفض لتلك الرواية التي سمعتها (١)!
ولو قال القائل : إنّهم أحرقوا الباب لم يبعد عن الصواب ؛ لأنّ كثير الاطّلاع منهم ، الذي يريد رواية جميع الوقائع ، لم يسعه أن يهمل هذه
__________________
(١) انظر : الملل والنحل ١ / ٥٠ ـ ٥١.