وما رواه مسلم في باب قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا نورَث ما تركناه صدقة» (١).
وظنّي أنّ غيرهما من صحاحهم لم يشتمل على ما ذكره ؛ إذ لم ينقله عنها ناقل بحسب التتبّع ، بل اشتمل حديث البخاري ومسلم على أنّ عمر خاف على أبي بكر من دخوله وحده على عليّ.
وهذا ممّا يقرّب وقوع الإساءة منهم إليه ، كقصد الإحراق ونحوه.
ومن الجفاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ما اشتمل عليه هذان الحديثان من أنّ المسلمين كانوا «إلى عليّ قريباً حين راجعَ الأمرَ بالمعروف» ؛ فإنّه دالٌّ على أنّه كان فاعلا للمنكر ، مخالفاً للشرع ، لمّا لم يبايع أبا بكر.
وهذا تكذيب لله سبحانه بشهادته له بالطهارة ، وتكذيب للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بشهادته له بأنّه مع الحقّ والحقّ معه يدور حيث دار.
فتبّاً لأُولئك المسلمين الّذين بعدوا عن سيّدهم ، وعبد الله حقّاً ، وأخي نبيّهم (عليه السلام) ، ووصيّه.
وما زال أُولئك المسلمون بُعداءَ عن ذلك الإمام الأعظم إلى زماننا هذا ، حتّى جاء شاعرهم المصري في وقتنا فافتخر بما قاله عمر من التهديد بإحراق بيت النبوّة وباب مدينة علم النبيّ وحكمته ، وقال [من البسيط] :
وقولة لعليّ قالها عمرُ |
|
أَكرِمْ بسامعها أَكرِمْ (٢) بمُلقيها |
__________________
(١) صحيح مسلم ٥ / ١٥٣ ـ ١٥٤ كتاب الجهاد والسير.
(٢) في المصدر : «أَعظِم».