النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وإيتائه.
ويشهد لكون تجويز أخذ الفداء من الله تعالى ما رواه في «الدرّ المنثور» ، عن عبد الرزّاق ، وابن أبي شيبة ، أنّهما أخرجا عن أبي عبيدة ، قال : «نزل جبرئيل على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر فقال : إنّ ربّك يُخيّرك إنْ شئت أن تقتل هؤلاء الأسرى ، وإنْ شئت أن تفادي بهم ويُقتل من أصحابك مثلهم.
فاستشار أصحابه ، فقالوا : نُفاديهم فنقوى بهم ويُكرم الله بالشهادة من يشاء» (١).
ومِن هذا يُعلم أنّ المراد بما أخذه في قوله تعالى : (ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتّى يُثخنَ في الأرض) إلى قوله : (لمسّكم فيما أخذتُم عذاب عظيم) (٢) ليس هو أخذ الفداء على الأسرى ؛ فإنّه برخصة الله وإذن نبيّه.
على أنّ الأسر وأخذ الفداء على الأسرى لم يكونا قبل الإثخان في الأرض ؛ إذ أيُّ إثخان أعظمُ من قتل أعيان المشركين وغلبتهم ، الذي سمّاه تعالى ذات الشوكة وقطعاً لدابر الكافرين بقوله سبحانه : (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يُحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين) (٣)؟!
فلا بُد أن يُراد بما أخذوه ما جنوْه من مخالفةِ رغبةِ
__________________
(١) الدرّ المنثور ٤ / ١٠٦ ؛ وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٢٠٩ ح ٩٤٠٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٤٧٥ ح ٣٤.
(٢) سورة الأنفال ٨ : ٦٧ و ٦٨.
(٣) سورة الأنفال ٨ : ٧.