وكانت صلاته أيضاً في الناس ـ على زعمهم ـ سبع عشرة صلاة أو نحوها (١) ، وهي بعدُ أمرِ الكتاب ؛ لأنّه كان يوم الخميس والنبيّ توفّي يوم الاثنين ، فكيف كان أمره بالكتاب هجراً ، وأمره بالصلاة دليلا على الخلافة؟!!
بل أعجب من ذلك أنّهم يروون أنّ أبا بكر أمر عثمان أن يكتب : أما بعد ؛ ثمّ أُغمي عليه ، فكتب عثمان : أمّا بعد ، فقد استخلفت عليكم عمرَ بن الخطّاب ولم آلُكُم (٢) خيراً.
ثمّ أفاق أبو بكر فقال : إقرأ! فقرأ عليه.
فقال : أراك خِفْتَ أن يختلف الناس.
قال : نعم ؛ وأقرّها أبو بكر.
رواه الطبري في «تاريخه» (٣) ، وابن الأثير في «كامله» (٤).
فأنت ترى أنّ أبا بكر قد كتب وأمضى وهو في حال يُغشى عليه ، فلم يقولوا : «يهجر»! وسيّد النبيّين (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بالكتابة قبل وفاته بخمسة أيّام ، ولم تكن حاله في الشدّة كحال أبي بكر ، وقالوا : «يهجر»!
فهل الفرق بينهما إلاّ مخالفة وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لهوى أُولئك
__________________
٢٢٢١ وج ٨ / ٢٠٣ ح ٦٥٦٨ ، مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٤٢٨ ح ٩٧٥٤ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٦٨ ، البداية والنهاية ٥ / ١٧٧ حوادث سنة ١١ هـ.
(١) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٧٢ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٧ / ١٩٧ ، عيون الأثر ٢ / ٤٢٠ ، البداية والنهاية ٥ / ١٧٩ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٢٤٤.
(٢) ألا : ألا يأْلُو أَلواً وأُلُوّاً وأُلِيا وإلِيا وأَلَّى يُؤَلِّي تَأْلِيَةً وَأْتَلى : قصرَ وأَبطأ ؛ انظر : لسان العرب ١ / ١٩١ مادّة «ألا».
(٣) ص ٥٣ من الجزء الرابع [٢ / ٣٥٣ حوادث سنة ١٣ هـ]. منه (قدس سره).
(٤) ص ٢٠٧ من الجزء الثاني [٢ / ٢٧٣ حوادث سنة ١٣ هـ]. منه (قدس سره).