وبين ابن عبّاس ـ كما ذكره ابن أبي الحديد (١) ، ففاجأوه بكلمة جفاء لم تكن في الحُسبان اضطرّته إلى العدول عمّا أراد ؛ إذ لا تبقى بعدها فائدة في كتابه.
ولو أصرّ على مطلوبه لدامت الفتنة والاختلاف في أنّه هجر أو لا؟ و (للجوا في طغيانهم يعمهون) (٢).
وقد علم أنّ شيعة الحقّ غنيّون ـ عن المضيّ عليه ـ بنصّه يوم الغدير (٣) ونصّ القرآن المجيد (٤) ، كما زادهم بصيرة في أضداد خليفته ووصيّه ، فقضت الحكمة أن يعدل بعد ذلك عن الكتاب.
فيا لهف نفسي! يريد نبيُّ الرحمة حياتنا إلى الأبد ، ويطلب أن يكتب لنا كتاباً حقيقياً بأن تتشوّق إليه قلوب المؤمنين ، وتتشوّف إليه عيون المهتدين ، فلا يُتّبع!
ويريد أبو بكر أن يوصي إلى عمر ، ويظهر الشكّ في أمره بما يدعو المسلم العاقل إلى النفرة عنه ، فيُتّبع! ..
قال : «إنّي أستخلف عليكم عمر ، فإن عدل فذلك ظنّي به ، وإن
__________________
(١) ص ٩٧ و ١١٤ من المجلّد الثالث [١٢ / ٢٠ ـ ٢١ و ٧٨ ـ ٧٩]. منه (قدس سره).
وانظر : تاريخ الطبري ٢ / ٥٧٨ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٥٨ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٥٣.
(٢) سورة المؤمنون ٢٣ : ٧٥.
(٣) راجع : ج ١ / ١٩ ـ ٢٢ وج ٤ / ٣٢٠ وما بعدها ، من هذا الكتاب.
(٤) إشارة إلى قوله تعالى : (يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك ...) سورة المائدة ٥ : ٦٧ ، وقوله تعالى : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) سورة المائدة ٥ : ٣.
راجع مبحث الآيتين الكريمتين في : ج ٤ / ٣١٤ وما بعدها ، من هذا الكتاب.