بحقّ ، ويأتي إليه ما لا يرضاه الله تعالى ، حتّى يستحقّ به من عثمان ذلك الفعل الشنيع؟!
وهل ترى أنّ الله سبحانه إذا سب من سب عمّاراً ، وعادى من عاداه ، وحقّر من حقّره ، كيف يفعل بمن فعل به تلك الأفعال الفظيعة لمجرّد أنّه نهاه عن إحداثه ، وأراد منه أن يتّبع سبيلَ الرشاد؟!
ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، وسوّغنا لعثمان تأديب عمّار وتعزيره ، فقد سبق في مآخذ عمر أنّه لا عقوبة فوق عشر ضربات في غير حدّ من حدود الله تعالى (١) ، فكيف جاز لعثمان كسر ضلع عمّار ، وفتق بطنه ، وضربه الضرب المبرِّح؟!
ولا أقّل من إغضائه على هذا العمل الوحشي الخاسر ..
وليس هو بأعظم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد سمع نسبة الهجر إليه بأُذنيه (٢) ، وقيل له : اعدل (٣)! فلم ينتصف لنفسه.
ولا أعظم من أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقد سمع من الخوارج الكلمات القارصة (٤) ، فأغضى عنها.
وأما ما حكاه الخصمُ عن المأمون ـ ولا أظنُّ الخصم صادقاً في النقل ـ ، ففيه :
__________________
(١) راجع الصفحتين ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ، من هذا الجزء.
(٢) قد تقدّم تخريجه في ج ٤ / ٩٣ هـ ٢ من هذا الكتاب ؛ وراجع تفصيل ذلك في الصفحة ١٨٣ وما بعدها من هذا الجزء.
(٣) القائل هو : ذو الخويصرة رأس الخوارج عند توزيع غنائم حنين ؛ انظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٠٤ ح ٥٧ ، صحيح مسلم ٣ / ١٠٩ ـ ١١٢.
(٤) كاتهامه بالكفر ، وأنّه حكّم الرجال ، ومطالبته بالتوبة ؛ انظر مثلا : تاريخ الطبري ٣ / ١٠٩ وما بعدها.