فإنّ هذين القولين دالاّن على أنّ متروكات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت صدقة في أيامه.
وفيه : إنّ كلام أبي بكر متناقضٌ ، فلا ينبغي أن يُعتمد عليه ؛ لأنّ متروكات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إنْ كانت من الصدقات في أيامه لم يكن محلٌّ لروايته أنّ الأنبياء لا يُورَثون ؛ إذ لا ميراث حتّى يحتاج لرواية هذا الحديث.
وإنْ كانت ملكاً لرسول الله ، كان خوف أبي بكر من مخالفة عمل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تقشّفاً كاذباً ؛ لأنّ عمل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث وقع كان بنحو الملك ، فلا يلزم أبا بكر أن يعمل كعمله ، وقد صارت بزعمهم صدقة من سائر صدقات المسلمين التي يجوز تخصيص بعضهم فيها ، كما خصّ هو عليا بسلاح النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وبغلته بعنوان الصدقة ـ كما ادّعاه الخصم (١) ـ ، وخصّ عمر عليا والعبّاس بصدقة المدينة.
وأما ما زعمه من أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ينفق على عياله من فدك ، فيكذّبه ما رواه البخاري (٢) ومسلم (٣) ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ينفق على أهله نفقة سنة من أموال بني النضير ، وما بقي يجعله في الكرَاع والسلاح.
ويكذّبه ـ أيضاً ـ الحديث الذي أشار إليه الخصم ، المشتمل على قصّة منازعة عليّ والعبّاس في مال بني النضير ؛ فإنّ عمر قال فيه : «كان
__________________
(١) انظر ما تقدّم آنفاً في الصفحة ٧٩.
(٢) في تفسير سورة الحشر [٦ / ٢٦٠ ح ٣٧٨]. منه (قدس سره).
وانظر كذلك : صحيح البخاري ٤ / ١٠٧ ح ١١٦.
(٣) في باب حكم الفيء من كتاب الجهاد [٥ / ١٥١]. منه (قدس سره).