من الكتاب من سهولة أمرها أنّها مبنية على المسامحة ، دون المداقّة.
وكفى شاهداً على صحّة ما ذكرناه أنّه ليس في الأخبار تعرّض لأمرها ولا بيانها ، سوى قول أحدهما عليهماالسلام لابن مسلم في وضع الجَدي في القفاء (١) ، وله عرض عريض.
وقول الصّادق عليهالسلام لرجل سأله : «اجعل الجَدي على يمينك ، وإذا كنت في طريق مَكّة فاجعله في قفاك» (٢) وفي الخبرين من الإجمال ما لا يخفى.
ويُستحبّ لهؤلاء التياسر قليلاً ؛ مُعلّلاً في الأخبار بأنّ أنصباء (٣) الحرم من طرف اليسار ثمانية أميال ، ومن طرف اليمين أربعة ، فالميل إلى اليسار أبعد عن احتمال الخروج عن الحدود (٤). والقول به بناء على المسامحة قويّ ؛ إذ ليس فيه خروج عن القبلة ، بل منها إليها ، وهو أبين شاهد على أمر المسامحة.
وقول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في تفسير (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (٥) في رواية السّكوني : «إنّ المراد بالنجم الجَدي ؛ لأنّه نجم لا يزول ، وعليه بناء القبلة ، وبه يهتدي أهل البَرّ ، والبحر» (٦) مع عدم التعرّض كما في الرّوايتين المتقدّمتين لعلوّ الارتفاع والانخفاض ، مع ظهور الاختلاف شاهد على ما ذكرناه.
رابعها : بالنّسبة إلى أهل الشام ومن يُسامتهم من الجانبين ، وقبلتهم الركن الشامي أو ما حاذاه.
وعلامتهم : وضع بنات النّعش الكُبرى وهي ثلاثة منها حال غيبوبتها
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٤٥ ح ١٤٣ ، الوسائل ٣ : ٢٢٢ أبواب القبلة ب ٥ ح ١.
(٢) الفقيه ١ : ١٨١ ح ٨٦٠ ، الوسائل ٣ : ٢٢٢ أبواب القبلة ب ٥ ح ٢.
(٣) كذا ، والأنصباء جمع نصيب ، كما في المصباح المنير : ٦٠٦ ، وفي المصدر : أنصاب ، وأنصاب الحرم حدوده. لسان العرب ١ : ٧٥٩.
(٤) الفقيه ١ : ١٧٨ ح ٨٤٢ ، التهذيب ٢ : ٤٤ ح ١٤٢ ، علل الشرائع : ٣١٨ ح ١ ، إزاحة العلة في معرفة القبلة : ٣ ، الوسائل ٣ : ٢٢١ أبواب القبلة ب ٤ ح ٢.
(٥) النحل : ١٦.
(٦) تفسير العياشي ٢ : ٢٥٦ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ٢٢٣ أبواب القبلة ب ٥ ح ٣.