النيّة ما أعدّه الله للشّهداء من الدرجات الرفيعة ، والمراتب العليّة ، والمساكن الطيّبة ، والحياة الدائمة ، والرضوان الذي هو أعلى من كلّ مكرمة.
ويسقط في الدنيا وجوب تغسيلهم وتحنيطهم وتكفينهم إذا لم يكونوا عُراة ، فيدفنون في ثيابهم مع الدماء ، ولا يُنزع شيء منها ، سوى ما كان من الفراء والجلود ، وسوى ما كان إبقاؤه مُضرّاً ضَرراً عظيماً على الوَرَثَة ، إذا قُتِلَ بين الصفين وأدركه المسلمون ولم يكن به رمق الحياة.
وتفترق الأربعة المتقدّمة عن الخامس بوجوه :
أحدها : أنّه يُشترط في الجهاد بالمعنى الأخير وهو ما أُريد به الجَلب إلى الإسلام حُضور الإمام أو نائبه الخاصّ ، دون العامّ ، ولا يُشترط في الأقسام الأربعة المتقدّمة ذلك.
فإنّ الحكم فيها : أنّه إن حَضَرَ الإمام ووسّدت له الوسادة ، توقّفَ على قيامه ، أو قيام نائبه الخاصّ. وإن حضر ، ولم يتمكّن ، أو كان غائباً ، وقام (١) النائب العام من المجتهدين الأفضل فالأفضل ، فهو أولى.
وإن عَجَزَ المجتهدون عن القيام به ، وجبَ على كلّ من له قابليّة السياسة وتدبير الحروب وجَمعِ العَساكر إذا توقّف الأمر على ذلك القيام به ، وتجب على المسلمين طاعته ، كما تجب عليهم طاعة المجتهدين في الأحكام ؛ ومن عصاه ، فكأنّما عصى الإمام.
ثانيها : أنّه يُستثنى من المكلّفين أصناف في وجوب الجهاد بالمعنى الأخير ، كالمريض مرضاً ضاراً ، والفقير العاجز عن النفقة مع عدم الباذل ، والراجل (٢) ، والعبد ، والأُنثى ، والخُنثى ، والممسوح ، ومن عارضه الواجب من دين حالّ يُطالب به ، أو نفقة واجبة ، أو حجّ ، أو طاعة الوالدين ، ونحو ذلك.
__________________
(١) في «ح» زيادة : مقام.
(٢) المقصود بالراجل : من ليس له دابّة تمكّنه من الجهاد في زمن المؤلّف.