فيرجع إلى الدفاع عن النفس.
وهذه الأقسام الثلاثة تُسمّى دِفاعاً ، وإطلاق الجهاد عليها غير شائع. ولا يجري على المقتول فيها حُكم الشهيد في الدنيا من جهة تغسيلٍ ونحوه ، وإن عُدّوا في الآخرة من الشهداء ، وحاله كحال من أدخل في اسم الشهداء مع موته حَتف أنفه من غير قتل ، كالغريق ، والحريق ، والمبطون ، والميّت المدينة (١) ، أو نفاس ، أو طريق طاعة ، أو غُربة ، إلى غير ذلك.
المبحث الثاني : في بيان فضيلة الجهاد
الجهاد أفضل الأعمال بعد العقائد الإسلاميّة والإيمانيّة ، حتّى من الصلوات اليوميّة وإن كان لها في نفسها مَزيد فَضلٍ عليه لكنّهُ أفضل بحسب الجِهات الخارجيّة ؛ لأنّ الطاعة لله والعبوديّة له فرع محبّته ، والعمل بجميع التكاليف مرجعها إلى حبّ الله ؛ لأنّ المُحبّ الحقيقي يتلذّذ بخدمة المحبوب ، وكلّما فعل المحبوب محبوب.
فمتى أطاعَ في أشقّ الأشياء عليه على زيادة إخلاصه بالنسبة إليه ، فأوّل مراتب الحُبّ بذل المال في رضا المحبوب ، ثمّ تعب البدن وترك اللذات ، ثمّ بذل نفس الولد الذي هو بمنزلة النفس ، ولذلك جاء المدح من العزيز الكريم في حقّ النبيّ إبراهيم في عزمه على ذبح ولده إسماعيل (٢) ، ولم يبلغ والله مرتبة خاتم الأنبياء ، ولا البضعة البتول الزهراء ، ولا الأئمّة الأُمناء في رضاهم بقتل سيّد الشهداء بسيوف الأعداء ، وبقائه مطروحاً على الثّرى ورأسه معلّق على القنا ، وقتل أولاده وأرحامه وأصحابه ، وسبي بناته وعياله ، وحملهم على السنان في نهاية الذلّ والصّغار ، ووقوف سباياهم بين يدي أشرّ الأشرار في كمال الذلّ والصّغار.
__________________
(١) كذا.
(٢) الصافات : ١٠٠ ـ ١١٠.