بظهور أنّها تصوير ليست مستندة إلى قدرة البصير الخبير ، أو بادعائه دعاوي تنكرها العقول ، ولا تدخل عندهم في حيّز القبول ، إلى غير ذلك من الأسباب الدالّة على أنّه ساحر كذّاب ، ومفترٍ مرتاب.
فقد انحصر طريق معرفة تكاليف ربّ الأرض والسماء بإرسال الرسل والأنبياء.
وطريق معرفة نبوّتهم ورسالتهم بالإتيان بالمعجزات وخوارق العادات.
فالانقطاع عن النبيّ انقطاع عن العبوديّة ، وإعراض عن جميع تكاليف ربّ البريّة ، فالكفر بواحدٍ من الأنبياء كفر بخالق السماء ومُبدع الأشياء.
المبحث الخامس
أنّه قد تبيّن ممّا تقدّم أنّ طريق معرفة أوامر الله ونواهيه لا يتوصّل إليها إلا بواسطة الأنبياء ، وأنّ معرفتهم لا يتوصّل إليها إلا بشهادة الآيات والمعجزات.
فمن الواجب العيني على كلّ مكلّف أن يجدّ ويجتهد في معرفة النبيّ المبعوث لإبلاغ الأحكام ، وتمييز الحلال والحرام ؛ والمنكر له منكر لثبوت الأحكام الشرعية ، نافٍ لوجوب الطاعة والخدمة لربّ البريّة ، وهو على حدّ الكفر بالربوبيّة.
وقد دلّت المعجزات الباهرة والبراهين الظاهرة على أنّ النبيّ المبعوث إلينا ، والمفروض طاعته من الله علينا أعلى الأنبياء قدراً ، وأرفع الرُّسل في الملإ الأعلى ذكراً ، الّذي بَشّرت الرُّسل بظهوره ، وخلقت الأنوار كلّها بعد نوره محمّد المختار ، وأحمد صفوة الجبّار ، ذو الآيات والظاهرة والمعجزات المتكاثرة ، الّتي قصُرت عن حصرها ألسُن الحُسّاب ، وكَلّت عن سطرها أقلام الكتّاب ، كانشقاق القمر ، وتضليل الغمام ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصى ، وتكليم الموتى ، ومخاطبة البهائم ، وغرس الأشجار على الفور في القِفار ، وإثمار يابس الشجر ، وقصّة الغزالة مع (١) خِشفيها (٢) ،
__________________
(١) في «ح» : صبح ، بدل مع.
(٢) الخشف : ولد الغزال. المصباح المنير : ١٧٠.