وكان وصولاً للأرحام ، قاطعاً لهم إذا حرفوا عن طاعة الملك العلام ، رحيماً بالفقراء ، شفيقاً على الضعفاء ، عطوفاً على الجار ، ولا زال يوصي به حتّى خِيف أن يفرض له سهماً بالميراث.
لا يقاس صلوات الله عليه بأحدٍ من ممّن كان قبله ، ولا بأحدٍ ممّن يكون بعده ، ففي النظر إلى أخلاقه الكريمة وأحواله المستقيمة كفاية لمن نظر ، وحجّة واضحة لمن استبصر ، ككثرة ، الحلم وسعة الخلق ، وتواضع النفس ، والعفو عن المسيئين ، ورحمة الفقراء ، وإعانة الضعفاء ، وتحمّل المشاقّ في رضا الملك الحق ، وجمع مكارم الأخلاق ، وزهد الدنيا مع إقبالها عليه ، وصدوره عنها مع توجّهها إليه ، وله من السماحة النصيب الأكبر ، ومن الشجاعة الحظّ الأوفر.
وكان يطوي نهاره من الجوع ويشدّ حجر المجاعة على بطنه ، ويجيب الدعوة ، وكان بين الناس كأحدهم ، حَسَن السلوك مع الغني والفقير ، والعظيم والحقير ، حتّى أنّ بعض اليهود رجع إلى الإسلام بمجرّد ما رأى من حُسن سيرته.
وكان له نور يضيئ في الليلة المظلمة ، ورائحة تفوق على رائحة المسك والأذفر ، وله محاسن تفوق على محاسن كلّ البشر ، مع خروجه من طوائف الأعراب الّذين لا يعرفون طرائق الاداب.
ولا زال الشرع يندبهم ، والوعّاظ تعظهم ، والخُطباء تخطبهم ، ممّا يزيد على ألف ومائتين وعشرين من السنين ، فما تغيّروا عن أحوالهم ، ولا تركوا القبيح من أقوالهم وأفعالهم.
وكفى بكتاب الله معجزاً مدى الدهر ، حيث أقرّت له العرب العرباء ، وأذعنت له جميع الفصحاء والبلغاء ، وخيّروا بين السيف ومعارضته ، فاختاروا السيف ؛ لعجزهم عن الإتيان بمثل بعض آياته.
قد شهدت بنبوّته الكُتب المنزلة من السماء ، وكُتب الرُّسل والأنبياء :
منها : ما في التوراة وهو حجّة على اليهود والنصارى في سفر دباريم