وكراهة السفر ، فاختبره بالأمر بالحجّ والعمرة ، ليظهر بذلك أمره.
خامسها : من يُحبّ الحياة ، ويكره التعرّض للحرب والمبارزة والضرب ، خوفاً من الموت ، وبذلك غلب الجبن عليه ، متى سمع صيحةً طارَ قلبه ، أو سمع غوغاء الحرب والضرب ذهب لُبّه ، فاختبره بالتكليف بالجهاد ، وبيع نفسه برضا ربّ العباد.
سادسها : من غلب عليه حُبّ الرئاسة ، ووقوف الناس بين يديه ، وتقبيل يديه وقدميه ، وركوعهم له ، وخفق النعال خلفه ، وصهيل الخيل عقبه ، فاختبره بمنع التكبّر والتجبّر واحتقار عباد الله ، وأُمره بالتواضع للناس.
سابعها : من يُحبّ الملاهي ، ويرغب في اللهو ، والغناء ، واللعب بالقمار ، ودقّ الطبول ، وصوت المزامير ، والرقص ، وأنواع اللذات القبيحة ، والشهوات ، فاختبره بتحريم ذلك عليه ، ومنعه عنه.
ثامنها : من همّه رضا المخلوق عنه ، وأن يُمدح في المحافل ، وأن يعتقد الناس بديانته وينسبونه إلى التقوى والصلاح ، فاختُبِر بإيجاب الغضب عليه لله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
المبحث السابع : في بيان سبب العصيان
اعلم أنّ النفس سلطان على البدن ، وأعضاؤه رعيّة لها ، والحكيم الدليل المرشد للسلطان هو العقل ، متى أصغى السلطان إلى الدليل ، واستمع لقوله ، واسترشد بإرشاده ، صلح أمر السلطان ، وعدل في الرعية ، وأمرهم بالصلاح ، ونهاهم عن الفساد ، ويزيد في الرشاد ، ويُعين على سلوك طريق السداد إرشاد ربّ العباد.
وإن طغى السلطان على الدليل ، ولم يصغ لقوله ، ولا عملَ بإرشاده ولا دلالته ، وأخذ على غير الطريق ، ضلّ وأضلّ أتباعه ورعيّته ، وصار يأمر وينهى على غير بصيرة ، ويزيده في الضلال ، وينتقل إلى أسوإ حال ، حيث يُحسّن له طريق الهلاك ، فإنّه عدوّ محيل مزوّر قد قلب الأُمور ، وباشر الإضلال والإفساد برهةً من الدهور.
فالعين في إبصارها ، والأُذن في سماعها ، واللسان في نطقه ، واليد في بطشها ،