والصغار مع الإصرار بالعزم أو كثرة التكرار ترجع إلى الكبار.
والمراد : ما تُعدّ كبيرة في نظر الشرع ، حتّى يقال : ذنب عظيم ، وإثم كبير ، ويُعرَف ذلك من ممارسة الشرع ، كما أنّ معصية العبد للمولى منها ما يستعظمها الناس ويقولون : عصى مولاه معصيةً عظيمةً كبيرةً ، ومنها ما يسمّونها صغيرة. ويجري مثل ذلك في الطاعات.
ولا تُخَصّ الكبائرُ بعدد مخصوص ، من سبع أو تسع أو اثنتا عشرة أو سبعين ، أو كونها إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبعين ، ولا بجهات مخصوصة ، كالتوعّد عليها بالنار ، أو الوجود في القرآن ، أو الثبوت بدليل قاطع ، ولا بجهة عامّة ، بمعنى أنّ كلّ معصية إذا نظرت إلى من عصيت كبيرة ، ولا بمعنى أنّ الصغيرة تختصّ بالحدّ الأسفل ، والكبيرة بالحدّ الأعلى ، وما بينهما تُوصف بالكبر بالنسبة إلى ما تحت ، وبالصغر بالنسبة إلى ما فوق.
ويؤيّد ما نقول : أنّ الكِبَر والصّغَر قد يكون باختلاف الجهات ، فغصبُ مال اليتيم ، والمؤمن ، والعالم ، والإمام ، والجائع ، والعطشان المشرفين على الموت كبيرة ، وإن قلّ ، وأهون منها ما ضادّها ، وليس كذلك مال الكافر ، وإن اعتصم بالجزية أو غيرها من أسباب العصمة ، وهكذا أكثر المعاصي.
ثمّ الصغائر مختلفة في مقدار الصّغَر ، وكذا الكبائر ، فقد تكبر حتّى تنتهي إلى ترتّب الكفر الإسلامي ، أو الكفر الإيماني ، فأكبر الكبائر فساد العقيدة ، حتّى تبعث على سائر المرجوحات من المكروهات وغيرها ، فمنها صغائر ، ومنها كبائر ، على نحو ما عرفت في المحظورات.
المبحث التاسع : في تقسيم الواجبات
وهي كالمستحبّات ، ومنها صغائر تختلف مراتبها ، ومنها كبائر كذلك ، فإنّها قد تعظم ، حتّى تبلغ مرتبة يبعث تركها إلى الكفر ، والكبر والصغر فيها على نحوهما في المعاصي.