ثمّ إن أدبر ، وكان مأيوساً من عوده ، أو صار جريحاً قد أمن من شرّه ، فلا يجوز أن يتبعه ليصل إليه ، أو يكرّر الضرب له ليجهز عليه ، وأما الكافر فقد هتك بتجرّيه على المسلم حُرمته ، ورفع به عصمته ، وأبطل عهده وأمانه ، وخرق ذمّته.
القسم الثاني : الجهاد المتضمّن للدفاع
من الأقسام المشتملة على مُلاقاة الأبطال من أهل الطغيان ، والضلال ، وعلى إقامة الحرب ، والمبارزة المشتملة على القتل والضرب ، في الدفع عن بيضة الإسلام ، أو النفوس أو الأعراض أو الأموال الّتي حكم الله عليها بالاحترام.
ففي هذه الأقسام يقاتلون ، ويقتلُون فرداً فرداً ، وهتكت عصمتهم ، ولم ينفعهم أمانهم ، وعهدهم ، وجزيتهم.
ووجب على المكلّفين الحاضر والغائب من جميع المسلمين من غير فرقٍ بين أهل المذاهب أن يشدّوا الرحال ، ويتجهّزوا للحرب والقتال ، ويرخصوا في ذلك النفوس والأموال ، إن وجدوا بأهل الحدود ذلّة ، أو رأوا بالمسلمين قلّة.
وعلى حضرة السلطان أو منصوبة كائناً من كان أن يجدّ في الطلب ، ويجمع الناس من عجم وعرب ، ويجبرهم على القتال ، والمبارزة مع الأعداء والنزال.
وعليهم أن يُقبلوا عليه ، ويتسابقوا من سائر الجوانب إليه ، وينادوا بأعلى النداء قائلين له : أرواحنا لروحك الفداء ؛ ليشتدّ عزمه ، ويقوى على محاربة الأعداء جزمه.
فإنّ الجنود ، والعساكر وإن كانت ذات عدد متكاثر بمنزلة الفسطاط إذا سقط عمودها هدمت.
وكما يجب طاعة الرئيس الكبير ، كذلك يجب طاعة من نصبه على عدد قليل أو كثير ، فيما يتعلّق بالسياسة والتدبير ، وعليهم إرشاده إذا زاغ عن الصواب ، وسلك طريق الغيّ والشكّ والارتياب.
وعليه أن يجمع شملهم ، ويسمع قولهم ، ويستشيرهم في الأُمور ، ويتبسّم في وجوههم ، ويظهر لهم الفرح والسرور.