الباب السادس : فيما يتعلّق بالمحاربة والمقاتلة
وفيه فصول :
الفصل الأوّل : في أنّه ينبغي الاستعداد ،
وتهيئة أسباب الجهاد ، ممّا يترتّب عليه إرغام أهل الكُفر والعناد ، وهو أُمور :
منها وهو أهمّها وجود الرئيس المُطاع ، وصاحب الرأي الحريّ بالاتباع ، والجامع لمحاسن الأقوال والأفعال ، المُتلذّذ ببذل المال ، وإعطاء الأموال ، ذي هيبة تخضع لها الأبطال ، وتذلّ لها فحول الرجال ؛ القابل للرئاسة ، الخبير بفنون السياسة ، حَسَن السيرة ، جيّد البصيرة ، إذا غضب هابه الأسد الضرغام ، وفي سائر الأحوال طلق (١) ذلق بسّام ؛ العادل في الرعيّة ، القاسم بالسويّة ، لا بالمتهوّر في الحرب ، ولا بالجبان المضطرب ، إذا اشتدّ الجدال وسمع الضرب ، ذي تدبير وحكمة ، وعزم في الأُمور وهمّة ؛ سلاحه الدعاء ، وقوّته من الاعتماد على ربّ الأرض والسماء ، لهُ في آخر الليل حنين ، وصُراخ ، وبكاء ، وأنين ؛ مُحافظ على أوقات الصلاة ؛ مُلازم للعمل بأحكام الله تعالى ، راغب في الحرب ، طلباً للأجر والثواب ، ورجاء للفوز بالجنّة ، والسلامة من أليم العقاب.
وينبغي لرئيس المسلمين أن لا يخرج معه مُخذّلاً ، وهو المزهد في الخروج ، ويتعلّل في الحرّ والبرد أو نحوهما ؛ ولا المُرجِف ، وهو القائل : هلكت سرية المسلمين (٢) ؛ ولا مَن يتجسّس على عورات المسلمين ، لغير الكافرين ، ولا من يُوقع العداوة بين المسلمين ؛ ولا من يأمن إليه الكفّار ؛ ولا الجبان الذي يُخشى مِن فراره ،
__________________
(١) طَلِق الوجه : أي فرح ظاهر البشر ، متهلّل ، وطلق اليدين سخي ، وطلق اللسان : أي فصيح عذب المنطق. المصباح المنير : ٣٣٧ ، أقول : المراد هنا المعنى الأوّل أو الأعمّ منه ومن الثاني.
(٢) قال الفيومي : أرجف القوم : أكثروا من الأخبار السيئة واختلاف الأقوال الكاذبة حتّى يضطرب الناس منها ، وعليه قوله تعالى (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ). المصباح المنير : ٢٢٠.