باي ثمن سفك المزيد من دماء المسلمين حكمت على قضيته بالفشل وقضت عليه هو نفسه. ففي معركة صفين الحاسمة على الفرات التي خاضها ضد جيش الشام وفي اللحظة التي مال فيها النصر إلى جانبه وافق على الهدنة وهدفه (١) من ذلك حل نزاعه على الخلافة مع معاوية عن طريق التحكيم.
ان مثل هذه النتيجة السلمية للصراع مع الامويين لم تكن قد دخلت ابداً في حساب المسلمين الاتقياء الصالحين الذي كانوا قد انضموا إلى علي (ع). لقد وضع هؤلاء المسلمون المتزمتون الذين خرجوا من جيش علي (ع) اساساً لفرقة خاصة اصبح منتسبوها يسمون «الخوارج» لانهم يعتقدون بانهم انفصلوا عن عديمي التقوى وخرجوا إلى طريق الله (٢).
لقد اكتفى هؤلاء في البداية بالدعوة إلى ان الخليفة الذي يحيا حياة لا تمييز بالتقوى والذي يخرج على تعاليم الدين يخضع للشك ، وللجماعة الحق في ان تختارل بدلاً منه شخصاً اكثر استحقاقاً حتى لو لم يكن من قبيلة قريش التي ينتمي اليها النبي (ص). وقد تحولت هذه الدعوات المتواضعة بمرور الزمن إلى تعاليم تؤكد السيادة المطلقة للجماعة الامر الذي اعطى فرقة الخوارج صيغة ديمقراطية (٣) بحتة وجعلها مفهومة ومقبولة في نظر البدو الذين يحبون الحرية ، فانضم هؤلاء باعداد كبيرة إلى تلك الفرقة الامر الذي ادى إلى ان يسودها الطابع العربي. كذلك وجد
__________________
(١) أ. ميللر تاريخ الاسلام ، اشرف على الترجمة ن. أ. مدنيكوف ، ح ١ ، بطرسبورغ ١٨٩٥ ، ص ٣٦١ [بالروسية].
(٢) لم يكن ذلك هدفه وإنما فرض علي (ع) بعد رفع المصاحف.
(٣) بعد سطور ستتضح ديمقراطيتهم المزعومة (حميد الدراجي).