نفسه الرضا عنه فيدعوه ذلک الى جزائه واقل مراتبه المدح على فعله. اذا أساء اليه أحد بفعل لا يلائم مصلحته الشخصية فانه يثير في نفسه السخط عليه فيدعوه ذلک الى التشفي منه والانتقام واقل مراتبه ذمّه على فعله.
وکذلک الانسان يصنع اذا أحسن أحد بفعل يلائم المصلحة العامة من حفظ النظام الاجتماعي وبقاء النوع الانساني فانه يدعوه ذلک الى جزائه وعلى الاقل يمدحه ويثني عليه وان لم يکن ذلک الفعل يعود بالنفع لشخص المادح وانما ذلک الجزاء لغاية حصول تلک المصلحة العامة التي تناله بوجه. واذا أساء احد بفعل لا يلائم المصلحة العامة ويخل بالنظام وبقاء النوع فان ذلک يدعو الى جزائه بذمه على الأقل وان لم يکن يعود ذلک الفعل بالضرر على شخص الذام وانما ذلک لغرض دفع المفسدة العامة التي يناله ضررها بوجه.
وکل عاقل يحصل له هذا الداعي للمدح والذم لغرض تحصيل تلک الغاية العامة. وهذه القضايا التي تطابقت عليها آراء العقلاء من المدح والذم لأجل تحصيل المصلحة العامة تسمي (الآراء المحمودة) والتاديبات الصلاحية. وهي لا واقع لها وراء تطابق آراء العقلاء. وسبب تطابق آرائهم شعورهم جميعا بما في ذلک من مصلحة عامة.
وهذا هو معني التحسين والتقبيح العقليين اللذين وقع الخلاف في اثباتهما بين الاشاعرة والعدلية فنفتهما الفرقة الاولي واثبتتهما الثانية. فاذ يقول العدلية بالحسن والقبح العقليين يريدون أن الحسن والقبح من الآراء المحمودة والقضايا المشهورة التي تطابقت عليها الآراء لما فيها من التأديبات الصلاحية وليس لها واقع وراء تطابق الآراء.
والمراد من (العقل) اذ يقولون إن العقل يحکم بحسن الشيء او قبحه هو (العقل العملي) ويقابله (العقل النظري). والتفاوت بينهما إنما هو بتفاوت المدرکات
__________________
١ ـ راجع عن توضيح هذا البحث كتاب (اصول الفقه) للمولف في مبحث الملازمات العقلية ، ففيه غنى للطالب ان شاء الله تعالى.