اما منافع هذه الصناعات الخمس والحاجة اليها فان صناعتي البرهان والمغالطة تختص فائدتهما على الاکثر بمن يتعاطي العلوم النظرية ومعرفة الحقائق الکونية ولکن منفعة صناعة البرهان له فبالذات کمعرفة الأغذية في نفعها لصحة الانسان ومنفعة صناعة المغالطة له فبالعرض کمعرفة السموم في نفعها للاحتراز عنها.
واما الثلاث الباقية فان فائدتها عامة للبشر وتدخل في اکثر المصالح المدنية والاجتماعية. واکثر ما تظهر فائدة صناعة الجدل لأهل الاديان وعلماء الفقة وأهل المذاهب السياسية لحاجتهم الى المناظرة والنقاش.
واکثر ماتظهر فائدة صناعتي الخطابة والشعر للسياسيين وقواد الحروب ودعاة الاصلاح لحاجتهم الى اقناع الجمهور ورضاهم وبعث الهمم فيهم وتحريض الجنود والاتباع على الاقدام والتضحية. بل کل رئيس وصاحب دعوة حقة او باطلة لا يستغني عن استعمال هذه الصناعات الثلاث للتأثير على أتباعه ومريديه ولتکثير أنصاره.
ومن العجب اهمال اکثر المؤلفين في المنطق بحث هذه الصناعات تفريطا بغير وجه مقبول الا اولئک الذين ألفوا المنطق مقدمة للفلسفة فان من حقهم ان يقتصروا على مباحث البرهان والمغالطة کما صنع صاحب الاشارات والحاج هادي السبزواري في منظومته اذ لا حاجة لهم في باقي الصناعات.
وأهم ما يحتاج اليه منها ثلاث : البرهان والجدل والخطابة. وقد ورد في القرآن الکريم الترغيب في استعمال الاساليب الثلاثة في الدعوة الالهية وذلک قوله تعالي : «وادع الى سبيل ربک بالحکمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن» فان الحکمة هي البرهان والموعظة الحسنة من صناعة الخطابة ومن آداب الجدل ان يکون بالتي هي احسن.
هذا کل ما أردنا ذکره في المقدمة. وقد آن الشروع في بحث هذه الصناعات في خمسة فصول. وعلى الله التکلان.