إلى المعنى. ولذا قد ينتقل السامع إلى المعنى ويغفل عن اللفظ وخواصه كأنه لم يسمعه مع أنه لم ينتقل إليه إلا بتوسط سماع اللفظ.
وزبدة المخض أن هذا الارتباط يجعل اللفظ والمعنى كشيء واحد ، فإذا وجد اللفظ فكأنما وجد المعنى. فلذا نقول : «وجود اللفظ وجود المعنى». ولكنه وجود لفظي للمعنى ، أي أن الموجود حقيقة هو اللفظ لا غير ، وينسب وجوده إلى المعنى مجازاً ، بسبب هذا الارتباط الناشئ من الوضع. والشاهد على هذا الارتباط والاتحاد انتقال القبح والحسن من المعنى إلى اللفظ وبالعكس : فإنّ اسم المحبوب من أعذب الألفاظ عند المحب ، وإن كان في نفسه لفظاً وحشياً ينفر منه السمع واللسان. واسم العدو من أسمج الألفاظ وإن كان في نفسه لفظاً مستلحماً. وكلما زاد هذا الارتباط زاد الانتقال ، ولذا نرى اختلاف القبح في الألفاظ المعبر بها عن المعاني القبيحة ، نحو التعابير عن عورة الإنسان ، فكثير الاستعمال أقبح من قليلة. والكناية أقل قبحاً. بل قد لا يكون فيها قبح كما كني القرآن الكريم بالفروج.
وكذا رصانة التعبير وعذوبته يعطي جمالاً في المعنى لا نجده في التعبير الركيك الجافي ، فيفضي جمال اللفظ على المعنى جمالاً وعذوبة.
الرابع ـ (الوجود الكتبي). شرحه : إن الألفاظ وحدها لا تكفي للقيام بحاجات الإنسان كلها ، لأنها تختص بالمشافهين. أما الغائبون والذين سيوجدون ، فلابد لهم من وسيلة أخرى لتفهيمهم ، فالتجأ الإنسان أن يصنع النقوش الخطية لإحضار ألفاظه الدالة على المعاني ، بدلاً من النطق بها ، فكان الخط وجوداً للفظ. وقد سبق أن قلنا أن اللفظ وجود المعنى ، فلذا نقول : «أن وجود الخط وجود للفظ ووجود للمعنى تبعاً». ولكنه وجود كتبي للفظ والمعنى ، أي أن الموجود حقيقة هو الكتابة لا غير ، وينسب الوجود إلى اللفظ والمعنى مجازاً بسبب الوضع ، كما ينسب وجود اللفظ إلى المعنى مجازاً بسبب الوضع.
إذن الكتابة تحضر الألفاظ ، والألفاظ تحضر المعاني في الذهن ، والمعاني الذهنية تدل على الموجودات الخارجية.
فاتضح أن الوجود اللفظي والكتبي (وجودان مجازيان اعتباريان للمعنى) بسبب الوضع والاستعمال.