تخلف المعلول عن علته فيعلم بها اضطرارا لذات المقدمتين بما لهما من هيئة التأليف على صورة قياس صحيح.
وهذا معني أن نتيجة البرهان ضرورية. ويعنون بالضرورة هنا معني آخر غير معني (الضرورة) في الموجهات على ما سيأتي.
والخلاصة ان البرهان يقيني واجب القبول مادة وصورة وغايته ان ينتج اليقين الواجب القبول أي اليقين بالمعني الاخص
ـ ٢ ـ
البرهان قياس
ذکرنا في تعريف البرهان بانه (قياس) وعليه فلا يسمي الاستقراء ولا التمثيل برهانا. وعلل بعضهم ذلک بأن الاستقراء والتمثيل لا يفيدان اليقين ويجب في البرهان أن يفيد اليقين.
والحق ان الاستقراء قد يفيد اليقين وکذلک التمثيل على ما تقدم في بابهما في الجزء الثاني بل تقدم ان أساس اکثر کبريات الاقيسة هو الاستقراء المعلل ومع ذلک لا يسمي الاستقراء ولا التمثيل برهانا. والسر في ذلک ان الاستقراء المفيد لليقين وکذا التمثيل انما يفيد اليقين حيث يعتمد على القياس کما شرحناه في التجربيات. واشرنا في الجزء الثاني الى أن الاستقراء التام يرجع الى القياس المقسم فراجع. اما الاستقراء الناقص المبني على المشاهدة فقط فانه لا يفيد اليقين لأنه لا يرجع الى القياس ولايعتمد عليه. فاتضح بالاخير ان المفيد لليقين هو القياس فقط.
وليس معني ذلک ان العلوم تستغني عن الاستقراء والتمثيل او التقليل من شأنهما في العلوم بل العلوم الطبيعية بأنواعها وعلم الطب ونحوه کلها تبتني على المجربات التي لا تحصل للعقل بدون الاستقراء والتمثيل ولکن انما تفيد اليقين حيث تعتمد على القياس. فرجع الامر کله الى القياس.