والمتواترات اللتين هما من البديهيات الست. وقضاياها من الجزئيات فان العقل هو الذي يدرک ان هذه النار حارة أو مکة موجودة ولکن ادراکه لهذه الاشياء ليس ابتداء بمجرد تصوّر الطرفين ولا بتوسط مقدمات عقلية. وانما بتوسط احدي الحواس وهي جنوده التي يستعين بها في ادراک المشاهدات ونحوها فانه يدرک الطعم بالذوق واللون بالبصر والصوت بالسمع ... وهکذا ثم يدرک بقوة أخري بأن ماله هذا اللون الاصفر مثلا له هذا الطعم الحامض.
وقول الحکماء ان العقل لا يدرک الجزئيات فان غرضهم انه لا يدرک الجزئيات بنفسه بدون استعمال آلة ادراکية والا فليس المدرک للکليات والجزئيات الا القوة العاقلة. ولا يمکن ان يکون للسمع والبصر ونحوهما وجود وادراک مع قطع النظر عنها غير ان ادراک القوة العاقلة للمحسوسات لايحتاج الى أکثر من استعمال آلة الادراک المختصة في ذلک المحسوس.
ويختص ادراک القوة العاقلة بتوسط الآلة في خصوص الجزئيات لان الحسّ بانفراده لا يفيد رأياً کليا لأن حکمه مخصوص بزمان الاحساس فقط وإذا أراد ان يتجاوز الادراک الى الامور الکلية فلا بد أن يستعين بمقدمات عقلية وقياسات منطقية ليستفيد منها الرأي الکلي. فالمشاهدات وکذلک المتواترات تصلح لا ن تکون مباديء يقتنص منها التصورات الکلية والتصديقات العامة بل لو لا تتبع المشاهدات لم نحصل على کثير من المفاهيم الکلية والآراء العلمية. ولذا قيل (من فقد حسا فقد علما). وتفصيل هذه الابحاث يحتاج الى سعة من القول لا يساعد عليه هذا الکتاب
٢ ـ ان تکون العلة الخارجة هي القياس المنطقي. وهذا القياس على قسمين :
(القسم الاول) ان يکون حاضرا لدي العقل لا يحتاج الى إعمال فکر فلا بد أن يکون معلوله وهو اليقين بالنتيجة حاضراً أيضا ضروري الثبوت. وهذا شأن المجربات والحدسيات والفطريات التي هي من أقسام البديهيات اذ قلنا سابقا ان المجربات والحدسيات تعتمد على قياس خفي حاضر لدي الذهن