والجواب ان سبب حصول الشهرة لوضوحه لدي الجمهور تکون أذهان الجمهور غافلة عنه ولا تلتفت الى سر انتقالها الى الحکم المشهور فيبدو لها أن المشهورات غير مکتسبة من سبب کأنها من تلقاء نفسها انتقلت اليها وانما يعتبر کون الحکم مکتسبا اذا صدر الانتقال اليه بملاحظة سببه. وهذا من قبيل القياس الخفي في المجربات والفطريات التي قياساتها معها على ما أوضحناه في موضعه فانما مع کونها لها قياس وهو السبب الحقيقي لحصول العلم بها عدّوها من المباديء غير المکتسبة نظرا الى أن حصول العلم فيها عن سبب خفي غير ملحوظ للعالم ومغفول عنه لوضوحه لديه.
ثم لا يخفي أنه ليس کل ما يسمي مشهورا هو من مباديء الجدل فان الشهرة تختلف بحسب اختلاف الاسبب في کيفية تأثيرها في الشهرة. وبهذا الاعتبار تنقسم المشهورات الى ثلاثة أقسام :
١ ـ المشهورات الحقيقية ، وهي التي لا تزول شهرتها بعد التعقيب والتأمل فيها.
٢ ـ المشهورات الظاهرية ، وهي المشهورات في باديء الرأي التي تزول شهرتها بعد التعقيب والتأمل مثل قولهم : (انصر أخاک ظالما أو مظلوما) فانه يقابله المشهور الحقيقي وهو : (لا تنصر الظالم وان کان أخاک).
٣ ـ الشبيهة بالمشهورات وهي التي تحصل شهرتها بسبب عارض غير لازم تزول الشهرة بزواله فتکون شهرتها في وقت دون وقت وحال دون حال مثل استحسان الناس في العصر المتقدم لا طلاق الشوارب تقليدا لبعض الملوک والامراء فلما زال هذا السبب زالت هذه العادة وزال الاستحسان.
ولا يصلح للجدل الا القسم الاول دون الاخيرين أما الظاهرية فانما تنفع فقط في صناعة الخطابة کما سيأتي وأما الشبيهة بالمشهورات فنفعها خاص بالمشاغبة کما سيأتي في صناعة المغالطة.