وبهذا تعرف أن فائدة الخطابة فائدة کبيرة بل هي ضرورة اجتماعية في حياة الناس العامة.
وهي بعد وظيفة شاقة اذ أنها تعتمد بالاضافة الى معرفة هذه الصناعة على مواهب الخطيب الشخصية التي تصقل بالتمرين والتجارب ولا تکتسب بهذه الصناعة ولا بغيرها وانما وظيفة هذه الصناعة توجيه تلک المواهب واعداد مايلزم لمعرفة طرق اکتساب ملکة الخطابة مع المران الطويل وکثرة التجارب. وسياتي التنصيص على حاجة الخطابة الى المواهب الشخصية.
ـ ٣ ـ
تعريف هذه الصناعة وبيان معني الخطابة
يمکن مما تقدم ان نتصيد تعريف صناعة الخطابة على النحو الآتي حسبما هو معروف عند المنطقيين : «انها صناعة علمية بسببها يمکن اقناع الجمهور في الامر الذي يتوقع حصول التصديق به بقدر الامکان».
هذا هو تعريف أصل هذه الصناعة التي غايتها حصول ملکة الخطابة التي بها يتمکن الشخص الخطيب من اقناع الجمهور. والمراد من القناعة هو التصديق بالشيء مع الاعتقاد بعدم امکان ان يکون له ما ينقض ذلک التصديق او مع الاعتقاد بامکان ما ينقضه الا ان النفس تصير بسبب الطرق المقنعة اميل الى التصديق من خلافه. وهذا الاخير هو المسمي عندهم (بالظن) على نحو ما تقدم في هذا الجزء.
ثم انه ليس المراد من لفظ (الخطابة) التي وضعت لها هذه الصناعة مجرد معني الخطابة المفهوم من لفظها في هذا العصر وهو ان يقف الشخص ويتکلم بما يسمع المجتمعين بأي اسلوب کان بل أسلوب البيان واداء المقاصد بما يتکفل اقناع الجمهور هو الذي يقوّم معني الخطابة وان کان بالکتابة أو المحاورة کما يحصل في محاورة المرافعة عند القضاة والحکام.