وبعد معرفة تلک الفوائد يبقي أن نسأل عن شيئين : (الاول) عن السبب في تأثير الشعر على النفس لاثارة تلک الانفعالات. و(الثاني) بماذا يکون الشعر شعرا أي مخيلا؟
والجواب على السؤال الاول ان نقول :
ان الشعر قوامه التخييل والتخييل من البديهي انه من أهم الاسباب المؤثرة على النفوس لان التخييل اساسه التصوير والمحاکاة والتمثيل لما يراد من التعبير عن معني والتصوير له من الوقع في النفوس ما ليس لحکاية الواقع بأداء مناه مجردا عن تصويره فان الفرق عظيم بين مشاهدة الشيء في واقعه وبين مشاهدة تمثيله بالصورة أو بمحاکاته بشيء آخر يمثله. اذ التصوير والتمثيل يثير في النفس التعجب والتخييل فتلتذ به وترتاح له وليس لواقع الحوادث المصورة والممثلة قبل تصويرها وتمثيلها ذلک الاثر من اللذة والارتياح لو شاهدها الانسان.
واعتبر ذلک فيمن يحاکون غيرهم في مشية أو قول أو انشاد او حرکة او نحو ذلک فانه يثير اعجابنا ولذتنا او ضحکنا مع انه لا يحصل ذلک الاثر النفسي ولا بعضه لو شاهدنا نفس المحکيين في واقعهم. وما سر ذلک الا التخييل والتصوير في المحاکاة.
وعلى هذا کلما کان التصوير دقيقا معبرا کان أبلغ أثرا في النفس. ومن هنا کانت السينما من اعظم المؤثرات على النفوس وهو سر نجاحها واقبال الجمهور عليها لدقة تعبيرها وبراعة تمثيلها عن دقائق الاشياء التي يراد حکايتها.
والخلاصة : ان تأثير الشعر في النفوس من هذا الباب لانه بتصويره يثير الاعجاب والاستغراب والتخييل فتلتذ به النفس وتتأثر به حسبما يقتضيه من التأثير. ولذا قالوا : ان الشاعر کالمصور الفنان الذي يرسم بريشته الصور المعبرة.
وحق ان نقول حينئذ : ان العر من الفنون الجميلة الغرض منه تصوير المعاني المراد التعبير عنها يکون مؤثرا في مشاعر الناس ولکنه تصوير بالالفاظ.