اذا عرفت ما تقدم فلنعد الى السؤال الثاني فنقول : بماذا يکون الشعر شعرا أي مخيلا؟ والجواب : ان التصوير في الشعر کما ألمعنا اليه في التمهيد يحصل بثلاثة اشياء :
١ ـ (الوزن) فان لکل وزن شأنا في التعبير عن حال من أحوال النفس ومحاکاته له ولهذا السبب يوجب انفعالا في النفس فمثلا بعض الاوزان يوجب الطيش والخفة وبعضها يقتضي الوقار والهدوء وبعضها يناسب الحزن والشجي وبعضها يناسب الفرح والسرور.
فالوزن على کل حال بحسب ما له من ايقاعات موسيقية يثير التخييل واللذة في النفوس. وهذا أمر غريزي في الانسان. واذا ادي الوزن بلحن ونغمة تناسبه مع صوت جميل کان أکثر ايقاعا وأشد تأثيرا في النفس لا سيما ان لکل نغمة صوتية ايضا تعبيرا عن حال : فالنغمة الغليظة مثلا تعبر عن الغضب والنغمة الرقيقة عن السرور وهيجان الشوق والنغمة الشجية عن الحزن. فاذا انضمت النغمة الى الوزن تضاعف أثر الشعر في التخييل ولذلک تجد الاختلاف الکثير في تأثير الشعر باختلاف انشاده بلحن وبغير لحن وباختلاف طرق الالحان وطريق الانشاد حتي قد يبلغ الى درجة النشوة والطرب فيثير عاطفة عنيفة عاصفة.
٢ ـ المسموع من القول يعني الالفاظ نفسها فان لکل حرف أيضا نغمة وتعبيرا عن حال کما ان تراکيبها لها ذلک الاختلاف في التعبير عن أحوال النفس والاختلاف في التأثير فيها فهناک مثلا ألفاظ عذبة رقيقة وألفاظ غليظة ثقيلة على السمع وألفاظ متوسطة.
ثم ان اللفظ المسموع ايضا تأثيرا في التخييل اما من جهة جوهره کأن يکون فصيحا جزلا أو من جهة حيلة بترکيبه کما في أنواع البديع المذکورة في علمه وکالتشبيه والاستعارة والتورية ونحوها المذکورة في علم البيان.
٣ ـ نفس الکلام المخيل أي معاني الکلام المفيدة للتخييل وهي القضايا