وسبب کل من السفسطة والمشاغبة لا يخلو عن أحد شيئين : إما الغلط حقيقة من القايس وإما تعمد تغليط الغير وايقاعه في الغلط مع انتباهه الى الغلط. وعلى کل منهما يقال له (مغالط) وقياسه (مغالطة) باعتبار أنه في کلا الحالين يکون ناقضا لوضع ما.
وعلى هذا فـ (المغالطة) التي نعنيها هنا تشمل القسمين : الغلط وتعمد التغليط. ومن أجل ذلک الاعتبار (أي اعتبار نقضه لوضع ما) قيل له (تبکيت مغالطي) وان کان في الحقيقة تضليلا لا تبکيتا کما قد يقال له بحسب غرض آخر (امتحان او عناد) کما سيأتي.
* * *
واعلم ان سبب وقوع تلک المواد في القياس الذي يصح جعله قياسا هو رواجها على العقول. وسبب الرواج مشابهتها للحق أو المشهور. ولا تروج على العقول فيشتبه عليها الحال لو لا قلة التميير وضعف الانتباه فيخلط الذهن بين المتشابهين ويجعل الحکم الخاص باحدهما للآخر من غير أن يشعر بذلک سواء کان قلة التمييز والخلط من قبل نفس القايس أو من قبل المخاطب اذ يروج عليه ذلک.
وهذا نظير ما لو وضع الحاسب أحد العددين مکان الآخر لمشابهة بينهما فيشتبه عليه فيقع له الغلط في الحساب بجمع أو طرح أو نحوهما.
مثلا لو أن احدا تمثل في ذهنه معني من معاني المشترک في موضع معني آخر له وهو غافل عن استعماله في المعني الآخر فلا محالة يعطي للمعني الذي تمثله الحکم المختص بذلک المعني الآخر فيغلط وقد يتعمد ذلک ليوقع بالغلط غيره من قليلي التمييز.
والخلاصة : انه لولا قلة التمييز وضعف الانتباه والقصور الذهني لما تحققت مغالطة ولما تمت لها صناعة.
ومن سوء الحظ ان البشر مرتکس الى قمة رأسه بالمغالطات والخلافات بسبب القصور الذهني العام الذي لا يکاد يحلو منه انسان ولو قليلا الا من خصه