ـ ٣ ـ
فائدة هذه الصناعة
ومع کل ما قلناه فان لصناعة المغالطة فائدة لا يستهان بها لدي أهل العلم وذلک من ناحيتين :
١ ـ انه بها قد يتمکن الباحث من النجاة من الوقوع في الغلط ويحفظ نفسه من الباطل لانه اذا عرف مواقع المغالطة ومداخلها يعرف الطريق الى الهرب من الغلط والاشتباه.
٢ ـ انه بها قد يتمکن من مدافعة المغالطين وکشف مداخل غلطهم. وعلى هذا ففائدة الباحث من تعلم صناعة المغالطة کفائدة الطبيب في تعلمه للسموم وخواصها فانه يتمکن بذلک من الاحتراز منها ويستطيع أن يأمر غيره بالاحتراز ويداوي من يتناولها.
ثم لهذه الصناعة فائدة أخري وهي أن يقدر بها على مغالطة المغالط ومقابلة المغالطين المشعوذين بمثل طريقتهم کما قيل في المثل المشهور : «ان الحديد بالحديد يفلح» (١).
وقد سبق أن قلنا ان البشر مرتکس الى قمة رأسه بالمغالطات والخلافات فما أحوج طالب الحق السابح في بحر المعارف الى أن يزيح عنه الزبد الطافح على الماء من رواسب غلطات الماضين بمعرفة ما يصطنعه المغالطون من أوهام.
ولکن ذوي الطباع السليمة والآراء المستقيمة في غني غن معرفة مواضع الغلط بتعلم القوانين والاصول في هذه الصناعة فان لهم بمواهبهم الشخصية الکفاية وان کان لا تخلو هذه الصناعة من زيادة بصيرة لهم
__________________
١ ـ الفلح بفتحتين : الشق ومنه الفلاح للحراث الذي يشق الارض.