[خطبة ابن زياد بالبصرة]
فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فوالله ، ما تقرن بي الصعبة (١) ولا يقعقع (٢) لي ، وإنّي لنكل (٣) لمَن عاداني ، وسمّ لمَن حاربني : أنصف القارّة مَن راماها (٤).
يا أهل البصرة ، إنّ أمير المؤمنين ولاّني الكوفة ، وأنا غاد إليها الغداة وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان ، وإيّاكم والخلاف والإرجاف ، فوالذي لا إله غيره ، لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليّه ، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تستمعوا لي ، ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق.
أنا ابن زياد أشبهه من بين مَن وطأ الحصى ، ولمْ ينتزعني شبه خال ولا ابن عمّ (٥).
_________________
(١) الصعبة : الناقة صعبة القياد. كأنّه يقول : أنا راكب البصرة وقائدها ، فلا أجعلها تكون لي صعبة القياد.
(٢) القعقعة : الصوت. كأنّه يقول : لا أدع النّاس يتكلمون ببغضي وكراهتي.
(٣) أي : معذّب من النّكل ، أي : العذاب والانتقام.
(٤) كذا في الطبري ، وهو رجز لرجل : من قبيلة تدعى القارّة. وكانوا حذّقاً في الرماية في الجاهلية ، فالتقى رجل منهم بآخر من غيرهم ، فقال له القارّي : إنْ شئت صارعتك ، وإنْ شئت سابقتك ، وإن شئت راميتك؟ فقال الآخر : قد اخترت المراماة. فقال الرجل القاري :
قد أنصف القارة من راماها |
|
إنّا إذا ما فئة نلقاها |
نردّ أولاها على أخراها
ثمّ رماه بسهم فشكّ به فؤاده ، فلعلّ ابن زياد قال : قد أنصفت القارّة مَن راماها ، يُشير إلى أنّ من اختار المراماة معنا ـ بني أميّة ـ كان كمَن اختار المراماة مع الرجل القارّي ؛ فانّ بني أميّة حذّاق في المراماة كما كانت قبيلة القارّة حذّقاً فيها.
(٥) يريد : أنّه يُشبه أباه في نكله ونقمته وشدّة وطأته وبطشه ، ولا يُشبه خاله العجم ، ولا ابن عمّه