إلى قوم قد قتلوا أميرهم ، وضبطوا بلادهم ونفوا عدوّهم؟ فإنْ كانوا قد فعلوا ذلك فسر إليهم ، وإنْ كانوا إنّما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم وعمّاله تجبى بلادهم ؛ فإنّهم إنّما دعوك إلى الحرب والقتال ، ولا آمن عليك أنْ يغرّوك ويكذبوك ، ويخالفوك ويخذلوك ، وأنْ يستنفروا إليك فيكونوا أشدّ النّاس عليك.
فقال له حسين (عليه السّلام) : «وإنّي أستخير الله (١) وأنظر ما يكون» (٢) (٣).
[محادثة ابن عبّاس ثانيةً]
فلمّا كان من العشي أو من الغد أتى عبد الله بن العبّاس ، فقال : يابن عمّ إنّي أتصبّر وما أصبر ، إنّي أخاف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال ، إنّ العراق قوم غدر فلا تقربنّهم ، أقم بهذا البلد ؛ فإنّك سيّد أهل الحجاز فإنْ كان أهل العراق يُريدونك كما زعموا ، فاكتب إليهم فلينفوا عدوّهم ثمّ أقدم عليهم ، فإنْ أبيت إلاّ أنْ تخرج فسر إلى اليمن ؛ فإنّ بها حصوناً وشعاباً ، وهي أرض عريضة طويلة وتبثّ دعاتك ، فإنّي أرجو أنْ يأتيك عند ذلك الذي تُحبّ في عافية.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «يابن عم ، إنّي والله ، لأعلم أنّك ناصح ... (٤)
_________________
(١) الاستخارة هنا بمعناها اللغوي ، أي : طلب الخير ، وليس بالمعنى المصطلح عليه المتأخر ، كما سبق.
(٢) قال أبو مِخْنف : وحدّثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان ٥ / ٣٨٣.
(٣) والملاحظ هنا : أنّ ابن عبّاس غير مخالف لقيام الإمام (عليه السّلام) ، وإنّما يُشكّك للإمام في توفّر الأرضيّة اللازمة لذلك ، والإمام (عليه السّلام) لا يردّه في ذلك طبعاً.
(٤) النصح هنا بمعنى : الإخلاص ، وليس بمعنى : الوعظ والإرشاد ، فهو المعنى الحادث أخيراً للكلمة وليس معناها الأصيل. فالإمام (عليه السّلام) يقول : إنّه يعلم أنّه يقول ما يقوله عن إخلاص وشفقة وعاطفة ومودّة ، فهو لا يخالف الإمام (عليه السّلام) في قيامه ، وإنّما يُشكّك في توفر الأرضيّة اللازمة له ، والإمام (عليه السّلام) لا يردّه في هذا ، بل يقول إنّه عازم على القيام مع ذلك ؛ وذلك لما يرى من لزومه وضرورته لحياة الشريعة المقدسة.