الله ، إنّ عندنا خبراً فإنْ شئت حدّثنا علانية ، وإنْ شئت سرّاً. فنظر إلى أصحابه ، وقال (ع) : «ما دون هؤلاء سرّ». فقلنا له : أرأيت الراكب الذي استقبلك عشاء أمس؟ قال (ع) : «نعم ، وقد أردت مسألته». فقلنا : قد استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته ، وهو امرؤ من أسد منّا ، ذو رأي وصدق وفضل وعقل ، وأنّه حدّثنا أنّه لمْ يخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وحتّى رآهما يُجرّان في السّوق بأرجلهما. فقال (ع) : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما!». فردّد ذلك مراراً (١).
فقلنا : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلاّ انصرفت من مكانك هذا ؛ فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة ، بل نتخوّف أنْ تكون عليك. فوثب عند ذلك بنو عقيل بن أبي طالب (٢).
[و] قالوا : لا والله ، لا نبرح حتّى ندرك ثارنا ، أو نذوق ما ذاق أخونا (٣).
قالا : فنظر إلينا الحسين (عليه السّلام) ، فقال (ع) : «لا خير في العيش بعد هؤلاء». فعلمنا أنّه قد عزم له رأيه على المسير ، فقلنا : خار الله لك. فقال (ع) : «رحمكما الله».
ثمّ انتظر حتّى إذا كان السّحر ، قال (ع) لفتيانه وغلمأنّه : «أكثروا من الماء». فاستقوا وأكثروا ، ثمّ ارتحلوا وساروا حتّى انتهوا إلى :
_________________
(١) ظاهر هذه الرواية : أنّ خبر مقتل مسلم بن عقيل هنا كان عامّاً ، وسيأتي أنّ الإمام (عليه السّلام) أعلن ذلك لأصحابه بكتاب أخرجه للنّاس في منزل زبالة ، ومن هنا يترجّح أنْ يكون قوله (عليه السّلام) : «مادون هؤلاء». سرّ ، يعني : أمّا دون هؤلاء الحاضرين ، فليكن الخبر سرّاً ، وكذلك بقي الخبر سرّاً حتّى زبالة ؛ وأمّا اليعقوبي ، فقد قال : إنّ خبر قتل مسلم أتى الإمام بالقطقطانة ٢ / ٢٣٠ ، ط النّجف.
(٢) قال أبو مِخْنف حدّثني أبو جناب الكلبي عن عدي بن حرملة الأسدي عن عبد الله ٥ ٣٩٧ وفي الإرشاد ٢٢٢ روى عبد الله بن سليمان ... ، ط النّجف.
(٣) قال أبو مِخْنف : حدّثني عمر بن خالد ـ هكذا والصحيح عمرو بن خالد ـ ، عن زيد بن علي بن الحسين (ع) ، وعن داود بن علي بن عبد الله بن عبّاس : أن بني عقيل ، قالوا ٥ / ٣٩٧. والإرشاد / ٢٢٢ ، والمسعودي ٣ / ٧٠ ، والخواص / ٢٤ ٥ ، ط النّجف.