قرية (١) ، فقالوا : دعنا ننزل في هذه القرية ـ يعنون : نينوى ـ أو هذه القرية ـ يعنون : الغاضريّة ـ (٢) أو هذه الأخرى ـ يعنون : شفيّة ـ (٣). فقال : لا والله ، لا أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بُعث إليّ عيناً.
فقال له زهير بن القين : يابن رسول الله ، إنّ قتال هؤلاء أهون من قتال مَن يأتينا من بعدهم ، فلعمري ، ليأتينا من بعد مَن ترى ما لا قبل لنا به.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «ما كنت لأبدأهم بالقتال».
فقال له زهير بن القين : سربنا إلى هذه القرية حتّى تنزلها ؛ فإنّها حصينة ،
_________________
(١) ويظهر من هذا : أنّ كربلاء لمْ تكن اسم قرية ، بل اسم المنطقة وهي : كور بابل ، أي : قراها ـ كما في كتاب الدلائل والمسائل للسيّد هبة الدين الشهرستاني (قده) ـ. وقال سبط ابن الجوزي ، ثمّ قال الحسين (ع) : «ما يُقال لهذه الأرض؟». قالوا : كربلاء ، ويُقال لها نينوى ، وهي قرية بها. فبكى وقال (ع) : «كرب وبلاء». ثمّ قال (ع) : «أخبرتني اُمّ سلمة ، قالت : كان جبرئيل عند رسول الله ، وأنت معي فبكيت ، فقال رسول الله : دعي ابني. فتركتك فأخذك ووضعك في حجره ، فقال جبرئيل : تحبّه؟ قال (ص) : نعم. قال : فإنّ اُمّتك ستقتله ، وإنْ شئت أنْ أريك تربة أرضه التي يُقتل فيها؟ قال (ص) : نعم. قالت : فبسط جبرئيل جناحه على أرض كربلاء ، فأراه أيّها. ثمّ شمّها ، وقال : هذه والله ، هي الأرض التي أخبر بها جبرائيل رسول الله (ص) وإنّني أُقتل فيها». ثمّ قال : وذكر ابن سعد في الطبقات عن الواقدي بمعناه ، قال : وذكر ابن سعد أيضاً عن الشعبي ، قال : لمّا مرّ علي (عليه السّلام) بكربلاء في مسيره إلى صفّين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ـ وقف ونادى صاحب مطهرته : «أخبرني أبا عبد الله ، ما يُقال لهذه الأرض؟». فقال : كربلاء. فبكى حتّى بلّ الأرض من دموعه ، ثمّ قال (ع) : «دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يبكي ، فقلت له : ما يُبكيك؟ فقال (ص) : كان عندي جبرئيل آنفاً ، وأخبرني : أنّ ولدى الحسين يُقتل بشط الفرات بموضع ، يُقال له : كربلاء. ثمّ قبض جبرئيل قبضة من تراب فشمنّي إيّاها ، فلمْ أملك عينيّ أنْ فاضتا».
قال : وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لمّا وصل علي (عليه السّلام) إلى كربلاء وقف وبكى ، وقال (ع) : «بأبي أُغيلمة يُقتلون ها هنا ، هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجال» .. ثمّ ازداد بكاؤه / ٢٥٠ ، ط النّجف. ورواه ابن مزاحم بأربعة طرق ، صفّين / ١٤٠ ـ ١٤٢ ، ط هارون.
(٢) الغاضريّة : منسوبة إلى غاضرة من بني أسد ، وهي : أراضي حوالي قبر عون الآن على فرسخ من كربلاء ، وبها آثار قلعة تعرف اليوم ، بـ : (قلعة بني أسد).
(٣) هي أيضاً : آبار لبني أسد قرب كربلاء.