[خطبة الإمام (عليه السّلام) ـ الأولى]
[و] لمّا دنا منه القوم [دع] براحلته فركبها ، ثمّ نادى بأعلى صوته يسمع جلّ النّاس :
«أيّها النّاس ، اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما [يـ] ـحقّ لكم عليّ ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإنْ قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النّصف ، كنتم بذلك أسعد ولمْ يكن لكم عليّ سبيل ، وإنْ لمْ تقبلوا منّي العذر ، ولمْ تعطوا النّصف من أنفسكم : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثمّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمّةً ثمّ اقْضُوا إليّ وَلاَ تُنظِرُونِ) (١) ، (إِنّ وَلِيّيَ اللّهُ الّذِي نَزّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلّى الصّالِحِينَ) (٢).
فلمّا سمع أخواته كلامه هذا صحن وبكين ، وبكى بناته [و] ارتفعت أصواتهنّ ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس بن علي وعليّاً ابنه ، وقال (ع) لهما : «سكّتاهنّ ، فلعمري ليكثرنّ بكاؤهنّ».
فلمّا سكتن ، حمد الله وأثنى عليه وذكر الله بما هو أهله ، وصلّى على محمّد (صلّى الله عليه [وآله]) وعلى ملائكته وأنبيائه. [قال الرأوي] : فوالله ، ما سمعت متكلماً قط قبله ، ولا بعده أبلغ في منطق منه. ثمّ قال (ع) :
«أمّا بعد : فانسبوني فانظروا مَن أنا؟ ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألسّت ابن بنت نبيّكم (صلّى الله عليه [وآله]) ، وابن وصيّه وابن عمّه ، وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟ أوليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي؟ أوليس جعفر ، الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّي؟ ...
_________________
(١) سورة يونس / ٧١.
(٢) سورة الأعراف / ١٩٦.