روح الأديب وقلبه ، بحيث نقرؤه ، كأنا نحادثه ، ونسمعه كأنا نعامله ».
وهذا القياس ذو أهمية جديرة بالتأمل ، فالصورة من جانب قوة خلاقة قادرة على نقل الفكرة ، وإبراز العاطفة ، وهي الشكل الخارجي المعبر عن الحالة النفسية للمنشئ وعن تفاعله الداخلي ، وهي الضوء الكاشف عن كفاءة المبدع الفنية ، وروحه الشفافة الرقيقة ـ نتيجة لإيجاده الملاءمة بين نقل الفكرة وتعبيرها النفسي أسلوبياً ـ وبها يتميز عقل المتكلم ويحكم عليها بالدقة والإبداع والتطوير دون وساطة أخرى ، وإنما نقرؤه تجسيداً ، ونسمعه تشخيصاً وإدراكاً من خلال هذا التناسب والارتباط الذي حققه في هذا العمل الأدبي أو ذاك ، وهو الصورة. فالصورة عنده إيجاد للملاءمة والتناسب بين الفكر والأسلوب ، أو اللغة والأحاسيس.
ولعل هذا التحديد للصورة في تعريفها ومعناها ورؤية هويتها ومقياسها من أفضل التعاريف الفنية نظراً لما يحمله في تضاعيفه من الوضوح والمرونة والدقة العلمية ، ولأنه جامع مانع كما يقول المناطقة.
ويقول الدكتور داود سلوم « إن امتزاج المعنى والألفاظ والخيال كلها هو الذي يسمى بالصورة الأدبية ، ومن ترابطها وتلاؤمها والنظر إليها مرة واحدة عند نقد النص يقوم التقدير الأدبي السليم » (١).
فمقياس الصورة عند الدكتور داود سلوم يقوم على أساس تجسيد الفكرة العامة للعلاقات الجزئية في النص الأدبي لتشكل كلاً فنياً واحداً.
وتقول روز غريب « الصورة في أبسط وصف لها تعبير عن حالة أو حدث بأجزائهما أو مظاهرهما المحسوسة. هي لوحة مؤلفة من كلمات ، أو مقطوعة وصفية في الظاهر لكنها في التعبير الشعري توحي بأكثر من المظاهر ، وقيمتها ترتكز على طاقتها الإيحائية ، فهي ذات جمال تستمده من اجتماع الخطوط والألوان والحركة ونحو ذلك من عناصر حسية ، وهي ذات قوة إيحائية تفوق قوة الإيقاع لأنها توحي بالفكرة كما توحي بالجو والعاطفة » (٢).
__________________
(١) داود سلوم ، النقد الأدبي : ١/٨١.
(٢) روز غريب ، تمهيد في النقد الحديث : ١٩٠.