١ ـ الفريق الأول : ما من شك أن الجاحظ ( ت ٢٥٥ هـ ) هو أول من ألقح شرارة هذه المعركة ، تعلقاً منه بمذهب الصيغة ، وتعصباً للفظ ، ومشايعة للصياغة سواء فيما رآه وقرره ، أو بما نقله وأقحمه من آراء العلماء والأدباء والنقاد ، وهو في كل ذلك يضع الأناقة والجودة والجمال في الألفاظ ، فالمقياس عنده للقيمة الأدبية إنما يتقوم في جزالة اللفظ ، وجودة السبك ، وحسن التركيب لأن « المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والقروي ، والبدوي والقروي ، إنما الشأن في إقامة الوزن ، وتخير اللفظ ، وسهولة المخرج ، وفي صحة الطبع وجودة السبك » (١).
وتبعه على هذا الرأي أبو هلال العسكري ، فحذا حذوه ، وسلك منهجه حتى تقاربت الألفاظ ، وتشابهت العبارات ، فنراه في فصل يعقده لذلك ، وهو الفصل الأول من الباب الثاني من الصناعتين ، يقول :
الكلام ـ أيدك الله ـ يحسن بسلاسته ، وسهولته ، ونصاعته ، وتخير ألفاظه ، وإصابة معناه ، وجودة مطالعه ، وليس مقاطعه ، واستواء تقاسيمه ، وتعادل أطرافه ، وتشابه بواديه ، وموافقة أخيره فباديه ، حتى لا يكون في الألفاظ أثر ، فتجد المنظوم مثل المنثور في سهولة مطلعه ، وجودة مقطعه ، وحسن رصفه وتأليفه ، وكمال صوغه وتركيبه ، فإذا كان الكلام كذلك كان بالقبول حقيقاً ، وبالتحفظ خليقاً ) (٢).
فعيار سلامة الكلام عنده تنحصر في سلامة اللفظ وسهولته ونصاعته ، وجودة مطالعه ، ورقة مقاطعه ، وتشابه أطرافه ، وما نسجه على هذا المنوال وفي هذا الهدف ، أما إصابة المعنى ( فليس يطلب من المعنى إلا أن يكون صوابا ) (٣).
ثم يعزز رأيه بشواهد وأمثلة يختارها تعنى بالصياغة اللفظية ، تاركاً وراءه المعاني ، عازفاً عن قبولها قبولاً حسناً ، فهي مبتذلة يعرفها العربي والعجمي والقروي والبدوي ـ كما عبر عن ذلك الجاحظ بالنص ـ فيقول
__________________
(١) الجاحظ ، الحيوان : ٣/١٣١ ـ ١٣٢.
(٢) الصناعتين : ٦١.
(٣) المصدر نفسه : ٦٤.