فإذا كانَ كذا فهو على القِياسِ ، والأصْلُ فيه غَدَايو عمل به كما تقدَّمَ في عَشَايا خمْسَة أَعْمالٍ فرَاجِعْه.
ومنهم مَنْ قالَ : هو جَمْعُ غدْوَةٍ ، وقد أَنْكَرَه ابنُ هِشَامٍ في شَرْح الكَعْبيةِ وقالَ : يأبَى هذا أَمْران فذَكَرَهما ، وحاصِلُ أَحَدهما : أنَّ الغَدَايا إِذا جُعِلَت جَمْعاً لغدْوَةٍ كان القِياسُ غَدَاوَى بإثباتِ الواوِ.
وقالَ محشيه البَغْدادِي : ويأْباهُ أَمْرٌ ثالثٌ أَيْضاً : وهو كَوْنُ غدْوَة ثلاثِيَّا ومُفْرَد فَعائِل لا بدَّ أَن يكونَ على أَرْبعةِ أَحْرُف ثالِثُها حَرْفُ لينٍ غير تاءِ التَّأْنيثِ لأنَّها في حُكْم الكلمةِ المُسْتَقلةِ.
وغُدُوٌّ : جَمْعُ غَدْوةٍ بحذْفِ الهاءِ ، وفي المُحْكم : جَمْعُ غَدَاةِ نادِرٌ ، ففي الكَلامِ نشْرٌ ولفٌّ غيرُ مرتَّبِ.
وقالَ الجَوْهرِي : قولُه تعالى : (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (١) أَي بالغَدَواتِ فعبَّر بالفعْلِ عن الوَقْت كما يقالُ : أَتَيْتُكَ طُلوعَ الشمسِ أَي وَقْتِ طُلوعِ الشمسِ.
أَو لا يقالُ غَدايا إِلَّا مَعَ عَشَايا ، قالَ الجَوْهرِي : قوْلُهم : إِنِّي لآتِيه بالغَدَايا والعَشَايا ، هو لازْدِواجِ الكَلامِ كما قالوا : هَنَأَني الطَّعامُ ومَرَأَني ، وإنَّما هو أَمْرَأَني ، انتَهَى.
* قُلْت : فهذا إيماءٌ إلى القوْلِ المَشْهورِ فإنَّهم قالوا لا تُجْمَعُ الغَداةُ على غَدايا ، وإنَّما هو للازْدِواجِ ، وهذا عنْدَ مَنْ لم يُثْبِت الغَدِيَّة ، وبهذا سَقَطَ اعْتِراضُ الشَّهاب في شرْح الدَّرَّةِ على المصنَّفِ ، والجوْهرِي اقْتَصَرَ على الغداةِ ولم يَذْكُر الغَدِيَّة فذَكَرَ الازْدِواجَ ، والمصنَّفُ جَمَعَ بينَ الأقوالِ فاحْتاجَ إلى أن يُشيرَ إليه. وقالَ أبو حيَّان في تَذْكرتِه ما نَصّه : يزيلون اللّفْظَ عمَّا هو به أَوْلى لأجْلِ التّوافقِ والازْدِواجِ نحْو : «أَنْفِق بلالاً» ، ولا تَخْشَ من ذي العَرْشِ إِقْلالاً ، وارْجَعَنَّ مأْزُورَات غَيْر مأْجُورَات ، وليسَ من ذلك إِنِّي لآتِيه بالغَدَايا والعَشَايا ، لأنَّ الغَدَايا ليسَ جَمْع غَدَاةٍ وإنَّما هو جَمْعُ غَدِيَّة بمعْنَى غَدَاةٍ.
* قُلْت : فهذا كلّه تأْييدٌ لمَا ذَهَبَ إليه ابنُ الأعْرابي ، وقد وسَّع الكَلامَ فيه البَغْدادي في حاشِيَةِ الكَعْبِيةِ. وغَدا عليه غَدْواً ، بالفَتْح كما في المُحْكم ، وغُدُوَّا ، كسُمُوِّ كما في الصِّحاح والمُحْكم ، وغُدْوَةً ، بالضَّم ، وكَذلكَ اغْتَدَى : أَي بَكَّرَ ، ومنه قولُه تعالى : (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) (٢) ، وقولُه تعالى : (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ) (٣) ، وقولُ الشاعِرِ :
وقد أَغْتَدِي والطَّيْر في وكناتِها
وتقدَّمَ الكَلامُ على غَدْوَةٍ قرِيباً.
وفي المِصْباح : غَدا غُدُوَّا ، من بابِ قَعَدَ ، ذَهَبَ غدْوَةً ، هذا أَصْلُه ، ثم كَثُرَ حتى اسْتُعْمِل في الذَّهابِ والانْطِلاقِ أَيّ وَقْتٍ كانَ ، ومنه الحديثُ : «واغْد يا إبْلِيس» أي انْطَلِقْ.
وغادَاهُ مُغادَاةً : باكَرَهُ ، نقلَهُ ابنُ سِيدَه.
وفي الصِّحاح : غادَاهُ غَدَا عليه.
والغَدُ : أَصْلُه غَدْوٌ ، حذَفُوا الواوَ بِلا عِوَضٍ ، قالَ لبيدٌ أَو ذو الرُّمَّة :
وما النَّاسُ إِلَّا كالدِّيارِ وأَهْلِها |
|
بها يومَ حَلُّوها وغَدْواً بَلاقِعُ (٤) |
فجاءَ به على أصْلِه ، كما في الصِّحاح.
وفي النَّهايَةِ : الغَدْوُ أَصْلُ الغَدِ ، وهو اليَوْمُ الذي يأْتِي بعْدَ يَوْمِك ، فحذِفَتْ لامُه ولم يُسْتَعْملْ تامَّا إِلَّا في الشِّعْرِ ، ومنه قولُ عبدِ المطَّلبِ في قصَّةِ الفِيل :
لا يَغْلِبَنَّ صَليبُهُم |
|
ومِحالُهُمْ غَدْواً مِحالَكْ (٥) |
__________________
(١) الأعراف ٢٠٥ والرعد ١٥ والنور ٣٦٠
(٢) سبأ الآية. ١٢
(٣) القلم الآية. ٢٢
(٤) البيت للبيد ، ديوانه ط بيروت ص ٨٨ وللسان والتهذيب والصحاح منسوباً للبيد ، وعجزه في المقابيس ٤ / ٤١٥ بدون نسبة.
(٥) سيرة ابن هشام ١ / ٥٢ وقبله :
لا هم إن العبد يمنع رحله فامنع جلالك
وبعده :
إن كنت تاركهم وقبلتنا فأمر ما بدا لك
وزاد الهلبيي في الررض والأنف :
وانصر على آل الصليب |
|
وعابديه اليوم آلك |
والشاهد في اللسان. وأنظر الطبري.