وبينما كانت البلاد الإسلاميّة تعاني الجهد والحرمان نجد الشام في رخاء شامل ، وأسعار موادها الغذائية منخفضة جداً ؛ لأنّها أخلصت للبيت الاُموي ، وعملت على تدعيم حكمه ، فكان الرفاه يعدّ فيها شائعاً ، أمّا ما يؤيد ذلك فهي رسالة يزيد التي ذكرناها قبل قليل.
وقد حملوا أهل الشام على رقاب الناس كما ألمع إلى ذلك مالك بن هُبيرة في حديثه مع الحصين بن نمير ، يقول له : هلمّ فلنبايع لهذا الغلام ـ أي خالد بن يزيد ـ الذي نحن ولدنا أباه ، وهو ابن اختنا ، فقد عرفت منزلتنا مِن أبيه ، فإنّه كان يحملنا على رقاب العرب (١).
واستخدم معاوية الخزينة المركزية لتدعيم ملكه وسلطانه ، واتّخذ المال سلاحاً يمكّنه مِن قيادة الأُمّة ورئاسة الدولة. يقول السيد مير علي الهندي : وكانت الثروات التي جمعها معاوية مِن عمالته على الشام يبذّرها هو وبطانته على جنوده المرتزقة ، الذين ساعدوه بدورهم على إخفات كلّ همسة ضدهم (٢).
وكانت هذه السياسة غريبة على المسلمين ، لمْ يفكّر فيها أحد مِن الخلفاء السابقين ، وقد سار عليها مَنْ جاء بعده مِن خلفاء الاُمويِّين ؛ فاتّخذوا المال
__________________
(١) تاريخ الطبري ٧ / ٣٨.
(٢) روح الإسلام / ٢٩٦.