تفلّل وحدة الأُمّة ، وإشاعة العداء بين أبنائها. يقول العقاد : وكانت له ـ أي لمعاوية ـ حيلته التي كرّرها وأتقنها وبرع فيها ، واستخدمها مع خصومه في الدولة مِن المسلمين وغير المسلمين ، وكان قوام تلك الحيلة العمل الدائب على التفرقة ، والتخذيل بين خصومه بإلقاء الشبهات بينهم ، وإثارة الإحن فيهم ، ومنهم مَنْ كانوا مِن أهل بيته وذوي قرباه. كان لا يطيق أنْ يرى رجلين ذوي خطر على وفاق ، وكان التنافس الفطري بين ذوي الأخطار ممّا يعينه على الإيقاع بهم (١).
لقد شتّت كلمة المسلمين ، وفصم عُرى الأُخوّة الإسلاميّة التي عقد أواصرها الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) وبنى عليها مجتمعه.
وبالغ معاوية في اضطهاد الموالي وإذلالهم ، وقد رام أْن يبيدهم إبادة شاملة. يقول المؤرّخون : إنّه دعا الأحنف بن قيس ، وسمرة بن جندب ، وقال لهما : إنّي رأيت هذه الحمراء قد كثرت ، وأراها قد قطعت على السلف ، وكأنّي أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان ، فقد رأيت أنْ أقتل شطراً منهم ، وأدع شطراً لإقامة السوق وعمارة الطريق.
ولمْ يرتضِ الأحنف وسمرة هذا الإجراء الخطير ، فأخذا يلطفان به حتّى عدل عن رأيه (٢).
لقد سنّ معاوية اضطهاد الموالي ، وأخذت الحكومات التي تلت مِن بعده تشيع فيهم الجور والحرمان بالرغم مِن اشتراكهم في الميادين العسكرية
__________________
(١) معاوية في الميزان / ٦٤.
(٢) العقد الفريد ٢ / ٢٦٠.