وهدمت هذه السياسة قواعد العدل والمساواة التي جاء بها الإسلام ؛ فإنّه لمْ يفرّق بين المسلمين ، وجعلهم سواسية كأسنان المشط.
وأقام معاوية دولته على المخاتلة والخداع ، فلا ظل للواقع في أي تحرّك مِن تحركاته السياسية ، فما كان مثل ذلك الضمير المتحجّر أنْ يعي الواقع أو يفقه الحقّ ، وقد حفل التاريخ بصور كثيرة مِن خداعه ، وهذه بعضها :
١ ـ لمّا دسّ معاوية السمّ إلى الزعيم الكبير مالك الأشتر أقبل على أهل الشام فقال لهم : إنّ علياً وجّه الأشتر إلى مصر فادعوا الله أنْ يكفيكموه. فكان أهل الشام يدعون عليه في كلّ صلاة ، ولمّا أُخبر بموته أنبأ أهل الشام بأنّ موته نتج عن دعائهم ؛ لأنّهم حزب الله ، ثمّ همس في أُذن ابن العاص قائلاً له : إنّ لله جنوداً مِن عسل (١).
٢ ـ ومِن خداع معاوية وأضاليله أنّ جرير البجلي لمّا أوفده الإمام (عليه السّلام) إلى معاوية يدعوه إلى بيعته ، طلب معاوية حضور شرحبيل الكندي ، وهو مِن أبرز الشخصيات في الشام ، وقد عهد إلى جماعة مِن أصحابه أنْ ينفرد كلّ واحد منهم به ، ويلقي في روعه أنّ علياً هو الذي قتل عثمان بن عفان.
ولمّا قدم عليه شرحبيل أخبره معاوية بوفادة جرير وأنّه يدعوه إلى بيعة الإمام ، وقد حبس نفسه في البيعة حتّى يأخذ رأيه ؛ لأنّ الإمام قد قتل عثمان. وطلب منه شرحبيل أنْ يمهله لينظر في الأمر ، فلمّا خرج التقى به القوم كلّ على انفراده ، وأخبروه أنّ الإمام هو المسؤول
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٣.